للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو من جهة مبدئه ينتهي إلى الأوّليّات ولا يتجاوزها وإن فسد فسد ما بعدها وهذا هو في الأغلب نطاق الإدراك البشريّ الجسمانيّ وإليه تنتهي مدارك العلماء وفيه ترسخ أقدامهم. وصنف متوجّه بتلك الحركة الفكريّة نحو العقل الرّوحانيّ والإدراك الّذي لا يفتقر إلى الآلات البدنيّة بما جعل فيه من الاستعداد لذلك فيتّسع نطاق إدراكه عن الأوّليّات الّتي هي نطاق الإدراك الأوّل البشريّ ويسرح في فضاء المشاهدات الباطنيّة وهي وجدان كلّها نطاق من مبدئها ولا من منتهاها وهذه مدارك العلماء الأولياء أهل العلوم الدّينيّة والمعارف الرّبّانيّة وهي الحاصلة بعد الموت لأهل السّعادة في البرزخ.

[الوحي]

وصنف مفطور على الانسلاخ من البشريّة جملة جسمانيّتها وروحانيّتها إلى الملائكة من الأفق الأعلى ليصير في لمحة من اللّمحات ملكا بالفعل ويحصل له شهود الملإ الأعلى في أفقهم وسماع الكلام النّفسانيّ والخطاب الإلهيّ في تلك اللّمحة وهؤلاء الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم جعل الله لهم الانسلاخ من البشريّة في تلك اللّمحة وهي حالة الوحي فطرة فطرهم الله عليها وجبلة صوّرهم فيها ونزّههم عن موانع البدن وعوائقه ما داموا ملابسين لها بالبشريّة بما ركّب في غرائزهم من القصد والاستقامة الّتي يحاذون بها تلك الوجهة وركّز في طبائعهم رغبة في العبادة تكشف بتلك الوجهة وتسيغ نحوها فهم يتوجّهون إلى ذلك الأفق بذلك النّوع من الانسلاخ متى شاءوا بتلك الفطرة الّتي فطروا عليها لا باكتساب ولا صناعة فلذا توجّهوا وانسلخوا عن بشريّتهم وتلقّوا في ذلك الملإ الأعلى ما يتلقّونه، وعاجوا به على المدارك البشريّة منزّلا في قواها لحكمة التّبليغ للعباد فتارة يسمع أحدهم دويّا كأنّه رمز من الكلام يأخذ منه المعنى الّذي ألقي إليه فلا ينقضي الدّويّ إلّا وقد وعاه وفهمه وتارة يتمثّل له الملك الّذي يلقي إليه رجلا فيكلّمه ويعي ما يقوله والتّلقّي من الملك والرّجوع إلى المدارك البشريّة وفهمه

<<  <  ج: ص:  >  >>