للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملائكة أهل الأفق الأعلى على الّذين لم يستكملوا ذواتهم بشيء من مدارك البدن ولا غيره فهذا الاستعداد حاصل لها ما دامت في البدن ومنه خاصّ كالّذي للأولياء ومنه عامّ للبشر على العموم وهو أمر الرّؤيا. وأمّا الّذي للأنبياء فهو استعداد بالانسلاخ من البشريّة إلى الملكيّة المحضة الّتي هي أعلى الرّوحانيّات ويخرج هذا الاستعداد فيهم متكرّرا في حالات الوحي وهو عند ما يعرّج على المدارك البدنيّة ويقع فيها ما يقع من الإدراك يكون [١] شبيها بحال النّوم شبها بيّنا وإن كان حال النّوم أدون منه بكثير فلأجل هذا الشّبه عبّر الشّارع عن الرّؤيا بأنّها جزء من ستّة وأربعين جزأ من النّبوة وفي رواية ثلاثة وأربعين وفي رواية سبعين وليس العدد في جميعها مقصودا بالذّات وإنّما المراد الكثرة في تفاوت هذه المراتب بدليل ذكر السّبعين في بعض طرقه وهو للتّكثير عند العرب وما ذهب إليه بعضهم في رواية ستّة وأربعين من أنّ الوحي كان في مبدئه بالرّؤيا ستّة أشهر وهي نصف سنة ومدّة النّبوة كلّها بمكّة والمدينة ثلاث وعشرون سنة فنصف السّنة منها جزء من ستّة وأربعين فكلام بعيد من التّحقيق لأنّه إنّما وقع ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومن أين لنا أنّ هذه المدّة وقعت لغيره من الأنبياء مع أنّ ذلك إنّما يعطي نسبة زمن الرّؤيا من زمن النّبوة ولا يعطى حقيقتها من حقيقة النّبوة وإذا تبيّن لك هذا ممّا ذكرناه أوّلا علمت أنّ معنى هذا الجزء نسبة الاستعداد الأوّل الشّامل للبشر إلى الاستعداد القريب الخاصّ بصنف الأنبياء الفطريّ لهم صلوات الله عليهم إذ هو الاستعداد البعيد وإن كان عاما في البشر ومعه عوائق وموانع كثيرة من حصوله بالفعل ومن أعظم تلك الموانع الحواسّ الظّاهرة ففطر الله البشر على ارتفاع حجاب الحواسّ بالنّوم الّذي هو جبليّ لهم فتتعرّض النّفس عند ارتفاعه إلى معرفة ما تتشوّف إليه في عالم الحقّ فتدرك في بعض الأحيان منه لمحة يكون فيها الظّفر


[١] وردت هذه الكلمة في نسخة. لجنة البيان العربيّ فقط وهي غير موجودة في جميع النسخ ولا يستقيم المعنى بدونها.

<<  <  ج: ص:  >  >>