للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك في مرضه، وقال أخبرهم أنّا نجليهم بأمر الله ورسوله أن لا يترك دينان بأرض العرب ثم نعطيهم أرضا كأرضهم وفاء بذمّتهم كما أمر الله.

قالوا: فخرج أبو عبيد مع المثنى بن حارثة وسعد وسليط إلى العراق، وقد كانت بوران بنت كسرى كلما اختلفت الناس بالمدائن عدلت بينهم حتى يصلحوا، فلما قتل الفرّخزاد بن البندوان وملكت آزرميدخت اختلف أهل فارس واشتغلوا عن المسلمين غيبة المثنى كلها، فبعثت بوران إلى رستم تستحثه للقدوم وكان على فرج [١] خراسان، فأقبل في الناس إلى المدائن وعزل الفرخزاد وفقأ عين آزرميدخت ونصبّ بوران، فملكته وأحضرت مرازبة فارس فأسلموا له ورضوا به وتوّجته. وسبق المثنى إلى الحيرة، ولحقه أبو عبيد ومن معه. وكتب رستم إلى دهاقين السواد أن يثوروا بالمسلمين وبعث في كل رستاق رجلا لذلك، فكان في فرات باذقلا جابان وفي كسكرنرسي، وبعث جندا لمصادمة المثنى فساروا واجتمعوا أسفل الفرات. وخرج المثنى من الحيرة خوفا أن يؤتى من خلفه، فقدم عليه أبو عبيد، ونزل جابان النمارق ومعه جمع عظيم، فلقيه أبو عبيد هناك وهزم الله أهل فارس وأسر جابان ثم أطلق، وساروا في المنهزمين حتى دخلوا كسكر وكان بها نرسي ابن خالة كسرى فجمع الفالة إلى عسكره، وسار إليهم أبو عبيد من النمارق في تعبيته، وكان على مجنبتي نرسي نفدويه وشيرويه [٢] ابنا بسطام خال كسرى.

واتصلت هزيمة جابان ببوران ورستم فبعثوا الجالنوس مددا لنرسي وعاجلهم أبو عبيد فالتقوا أسفل من كسكر فاشتدّ القتال وانهزمت الفرس، وهرب نرسي وغنم المسلمون ما في عسكره، وبعث أبو عبيد المثنى وعاصما فهزموا من كان تجمّع من أهل الرساتيق وخرّبوا وسبوا وأخذوا الجزية من أهل السواد وهم يتربصون قدوم الجالنوس.

ولمّا سمع به أبو عبيد سار إليه على تعبيته فانهزم الجالنوس وهرب ورجع أبو عبيد فنزل الحيرة، وقد كان عمر قال له: «إنك تقدم على أرض المكر والخديعة والخيانة والخزي تقدم على قوم تجرّءوا على الشرّ فعلموه وتناسوا الخير فجهلوه فانظر كيف تكون


[١] الفرج: الخلل بين الشيئين، الثغر، فرج الوادي: بطنه. فرج الطريق: متنه.
[٢] وفي النسخة الباريسية: بندويه وتبروية.

<<  <  ج: ص:  >  >>