للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان سبب اجتماعهم بمكّة أنّ عائشة كانت خرجت إلى مكّة وعثمان محصور كما قدّمناه، فقضت نسكها وانقلبت تريد المدينة فلقيت في طريقها رجلا من بني ليث اخوالها فأخبرها بقتل عثمان وبيعة عليّ، فقالت: قتل عثمان والله ظلما ولأطلبنّ بدمه فقال لها الرجل: ولم أنت كنت تقولين ما قلت؟ فقالت: إنهم استتابوه ثم قتلوه، وانصرفت الى مكة. وجاءها الناس فقالت: «إن الغوغاء من أهل الأمصار وأهل المياه وعبيد أهل المدينة اجتمعوا على هذا الرجل المقتول ظلما ونقّموا عليه استعمال من حدثت سنّه وقد استعمل أمثالهم من كان قبله ومواضع من الحمى حماها لهم فتابعهم ونزع لهم عنها فلمّا لم يجدوا حجة ولا عذرا بادروا بالعدوان فسفكوا الدم الحرام واستحلّوا البلد الحرام والشهر الحرام وأخذوا المال الحرام. والله لاصبع من عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم ولو أنّ الّذي اعتدّوا به عليه كان ذنبا لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه أو الثوب من درنه» . فقال عبد الله بن عامر الحضرميّ وكان عامل مكّة لعثمان: أنا أوّل طالب، فكانت أوّل مجيب وتبعه بنو أمية وكانوا هربوا إلى مكّة بعد قتل عثمان، منهم: سعيد بن العاص والوليد بن عقبة. وقدم عبد الله بن عامر من البصرة بمال كثير ويعلى بن منيّة [١] من اليمن بستمائة بعير وستمائة ألف فأناخ بالأبطح، ثم قدم طلحة والزبير من المدينة فقالت لهما عائشة: ما وراءكما؟ قالا:

تحملنا هرابا من المدينة من غوغاء وأعراب غلبوا على خيارهم فلم يمنعوا أنفسهم ولا يعرفون حقا ولا ينكرون باطلا، فقالت: انهضوا بنا إليهم، وقال آخرون: نأتي الشام، فقال ابن عامر: إنّ معاوية كفا كم الشام فأتوا البصرة فلي بها صنائع ولهم في طلحة هوي. فنكروا عليه مجيئه من البصرة واستقام رأيهم على رأيه وقالوا: إنّ الذين معنا لا يطيقون من بالمدينة ويحتجّون ببيعة عليّ وإذا أتينا البصرة أنهضناهم كما أنهضنا أهل مكّة وجاهدنا، فاتفقوا ودعوا عبد الله [٢] بن عمر الى النهوض فأبى وقال: أنا من أهل المدينة أفعل ما يفعلون. وكانت أمهات المؤمنين معها على قصد المدينة، فلما نهضت إلى البصرة قعدوا عنها وأجابتها حفصة فمنعها أخوها عبد الله. وجهّزهم ابن عامر بما معه من المال ويعلى بن منيّة بما معه من المال والظهر، ونادوا في الناس


[١] يعلى بن منيّه هو يعلى بن أميه، وهو أبوه، ومنيّه امه كما في شرح مسلم والكامل ينتسب تارة الى أبيه وتارة الى امه وقول الناس منبّه تحريف، قاله نصر.
[٢] وفي نسخة اخرى: عبد الرحمن.

<<  <  ج: ص:  >  >>