للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونكتب إلى عبد الملك أن يولّي علينا غيره وإلّا خلعناه وهو يخافنا ما دامت الخوارج في العراق، فبايعوه سرّا وتعاهدوا وبلغ الحجّاج أمرهم فاحتاط وجدّ. ثم خرجوا في ربيع سنة ستة وسبعين وركب عبد الله بن الجارود في عبد قيس على راياتهم ولم يبق مع الحجّاج إلا خاصته وأهل بيته وبعث الحجاج يستدعيه فأفحش في القول لرسوله، وصرّح بخلع الحجّاج فقال له الرسول: تهلك قومك وعشيرتك! وأبلغه تهديد الحجاج إياه فضرب وأخرج وقال: لولا أنك رسول لقتلتك. ثم زحف ابن الجارود في الناس حتى غشي فسطاطه فنهبوا ما فيه من المتاع وأخذوا زجاجته وانصرفوا عنها.

فكان رأيهم أن يخرجوه ولا يقتلوه. وقال الغضبان بن أبي القبعثري الشيبانيّ لابن الجارود: لا ترجع عنه وحرضه على معالجته فقال إلى الغداة، وكان مع الحجّاج عثمان بن قطن وزياد لا ترجع عنه وحرضه على معالجته فقال إلى الغداة، وكان مع الحجّاج عثمان بن قطن وزياد بن عمر العتكيّ صاحب الشرطة بالبصرة، فاستشارهما فأشار زياد بأن يستأمن القوم ويلحق بأمير المؤمنين وأشار عثمان بالثبات ولو كان دونه الموت. وقال: لا تخرج إلى أمير المؤمنين من العراق بعد أن رقّاك إلى ما رقّاك وفعلت ما فعلت بابن الزبير والحجاز فقبل رأي عثمان وحقد على زياد في إشارته وجاءه عامر بن مسمع يقول: قد أخذ لك الأمان من الناس فجعل الحجّاج يغالطه رافعا صوته عليه ليسمع الناس ويقول والله لا آمنهم حتى تؤتوني بالهذيل بن عمران وعبد الله بن حكيم. ثم أرسل إلى عبيد بن كعب الفهري أن ائتني فامنعني، فقال له: إن أتيتني منعتك فأبى وبعث إلى محمد بن عمير بن عطارد وعبد الله بن حكيم بمثل ذلك، وأجابوه مثله. ثم إنّ عبّاد بن الحصين الجفطيّ مرّ بابن الجارود والهذيل وعبد الله بن حكيم يتناجون فطلب الدخول معهم فأبوا وغضب وسار إلى الحجّاج وجاءه قتيبة بن مسلم في بني أعصر للحميّة القتيبيّة. ثم جاءه سبرة بن عليّ الكلابي وسعيد بن أسلم الكلابي وجعفر بن عبد الرحمن بن مخنف الأزدي، فثابت إليه نفسه وعلم أنه قد امتنع. وأرسل إليه مسمع بن مالك بن مسمع: إن شئت أتيتك وإن شئت أقمت وثبطت عنك، فأجابه أن أقم فلما أصبح إذا حوله ستة آلاف وقال ابن الجارود لعبد الله بن زياد بن ضبيان ما الرأي؟ قال تركته أمس ولم يبق إلّا الصبر ثم تراجعوا وعبّى ابن الجارود وأصحابه على ميمنة الهذيل وعلى ميسرته سعيد بن أسلم، وحمل ابن الجارود حتى حاصر اصحاب الحجّاج وعطف الحجّاج عليه فقارب ابن الجارود أن يظفر. ثم أصابه سهم غرب فوقع ميتا ونادى منادي الحجّاج بأمان الناس إلا الهذيل وابن حكيم وأمر أن لا يتبع المنهزمين، ولحق ابن ضبيان بعمار فهلك هنالك. وبعث الحجّاج برأس ابن الجارود ورأس ثمانية عشر من أصحابه إلى الملك ونصبت ليراها الخوارج فيتأسوا من الاختلاف وحبس الحجاج عبيد بن كعب ومحمد بن عمير لامتناعهما من الإتيان إليه وحبس ابن القبعثري لتحريضه عليه، فأطلقه عبد الملك وكان فيمن قتل مع ابن الجارود عبد الله بن أنس بن مالك فقال الحجاج: لا أرى أنسا يعين عليّ ودخل البصرة وأخذ ماله. وجاءه أنس فأساء عليه وأفحش في كلمة في شتمه وكتب أنس إلى عبد الملك يشكوه فكتب عبد الملك إلى الحجّاج يشتمه ويغلظ عليه في التهديد على ما فعل بأنس. «وأن تجيء إلى منزله وتتنصل إليه وإلّا نبعث من يضرب ظهرك ويهتك سترك» . قالوا وجعل الحجّاج في قراءته يتغير ويرتعد وجبينه يرشح عرقا. ثم جاء إلى أنس بن مالك واعتذر إليه. وفي عقب هذه الواقعة خرج الزنج بفرات البصرة، وقد كانوا خرجوا قبل ذلك أيام مصعب ولم يكونوا بالكثير وأفسدوا الثمار والزروع. ثم جمع لهم خالد بن عبد الله فافترقوا قبل أن ينال منهم وقتل بعضهم وصلبه. فلما كانت هذه الواقعة قدّموا عليهم رجلا منهم اسمه رياح ويلقب بشير زنجي أي أسد الزنج وأفسدوا فلما فرغ الحجّاج من ابن الجارود أمر زياد بن عمر صاحب الشرطة أن يبعث إليهم من يقاتلهم وبعث ابنه حفصا في جيش فقتلوه وانهزم أصحابه فبعث جيشا فهزم الزنج وأبادهم.

[مقتل ابن مخنف وحرب الخوارج]

كان المهلب وعبد الرحمن بن مخنف واقفين للخوارج برامهرمز فلما أمدّهم الحجّاج بالعساكر من الكوفة والبصرة تأخر الخوارج من رامهرمز إلى كازرون وأتبعهم العساكر حتى نزلوا بهم. وخندق المهلّب على نفسه، وقال ابن مخنف وأصحابه خدمنا [١] سيوفنا. فبيتهم الخوارج وأصابوا الغرّة في ابن مخنف فقاتل هو وأصحابه حتى قتلوا، هكذا حديث أهل البصرة، وأمّا أهل الكوفة فذكروا أنهم لما ناهضوا


[١] ولعلها خندقنا سيوفنا، لأن خدمنا ليس لها معنى هنا. اي انهم يحمون أنفسهم بسيوفهم وليس بالخندق حولهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>