للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النّساء والولدان الّذين هم عيال على أبي مثواهم حتّى صار ذلك خلقا يتنزّل منزلة الطّبيعة وأهل البدو لتفرّدهم عن المجتمع وتوحّشهم في الضّواحي وبعدهم عن الحامية وانتباذهم عن الأسوار والأبواب قائمون بالمدافعة عن أنفسهم لا يكلونها إلى سواهم ولا يثقون فيها بغيرهم فهم دائما يحملون السّلاح ويتلفّتون عن كلّ جانب في الطّرق ويتجافون عن الهجوع إلّا غرارا في المجالس وعلى الرّجال وفوق الأقتاب ويتوجّسون للنّبئات [١] والهيعات ويتفرّدون في القفر والبيداء مدلين بيأسهم واثقين بأنفسهم قد صار لهم البأس خلقا والشّجاعة سجيّة يرجعون إليها متى دعاهم داع أو استنفرهم صارخ وأهل الحضر مهما خالطوهم في البادية أو صاحبوهم في السّفر عيال عليهم لا يملكون معهم شيئا من أمر أنفسهم وذلك مشاهد بالعيان حتّى في معرفة النّواحي والجهات وموارد المياه ومشارع السّبل وسبب ذلك ما شرحناه وأصله أنّ الإنسان ابن عوائده ومألوفه لا ابن طبيعته ومزاجه فالّذي ألفه في الأحوال حتّى صار خلقا وملكة وعادة تنزّل منزلة الطّبيعة والجبلة واعتبر ذلك في الآدميّين تجده كثيرا صحيحا والله يخلق ما يشاء.


[١] يتوجسون: يتسمعون. النبآت: الأصوات الخفية.

<<  <  ج: ص:  >  >>