للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسأوصيك بخصال وما أظنك تفعل واحدة منها، وله سفط فيه دفاتر علمه وعليه قفل لا يفتحه غيره، فقال للمهدي: انظر إلى هذا السفط فاحتفظ به فإنّ فيه علم آبائك ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، فإن أحزنك أمر فانظر في الدفتر الكبير، فإن أصبت فيه ما تريد وإلّا ففي الثاني والثالث حتى تبلغ سبعة. فإن ثقل عليك فالكراسة الصغيرة فإنك واجد ما تريد فيها وما أظنك تفعل. فانظر هذه المدينة وإياك أن تستبدل بها غيرها، وقد جمعت فيها من الأموال ما أنكر عليك الخراج عشر سنين كفاك لأرزاق الجند والنفقات والذريّة ومصلحة البيوت. فاحتفظ بها فإنك لا تزال عزيزا ما دام بيت مالك عامرا وما أظنك تفعل. وأوصيك بأهل بيتك وأن تظهر كرامتهم وتحسن إليهم وتقدّمهم وتوطئ الناس أعقابهم وتوليهم المنابر فإنّ عزّك عزّهم وذكرهم لك وما أظنك تفعل. وأوصيك بأهل خراسان خيرا فإنّهم أنصارك وشيعتك الذين بذلوا أموالهم ودماءهم في دولتك وأن لا تخرج محبتك من قلوبهم، وأن تحسن إليهم وتتجاوز عن مسيئهم وتكافئهم عما كان منهم، وتخلف من مات منهم في أهله وولده وما أظنك تفعل. وإياك أن تبني مدينة الشرقيّة فإنك لا تتمّ بناءها وأظنك ستفعل. وإياك أن تستعين برجل من بني سليم وأظنك ستفعل. وإياك أن تدخل النساء في أمرك وأظنك ستفعل. وقيل قال له: إني ولدت في ذي الحجة وولّيت في ذي الحجة وقد يحس في نفسي أن أموت في ذي الحجة في هذه السنة، وإنما حدّ لي الحج على ذلك. فاتق الله فيما أعهد إليك من أمور المسلمين بعدي يجعل لك فيما كربك وحزنك فرجا ومخرجا ويرزقك السلامة وحسن العاقبة من حيث لا تحتسب.

يا بني احفظ محمدا صلى الله عليه وسلم في أمّته يحفظك الله ويحفظ عليك أمورك، وإياك والدم الحرام فإنه حوب عند الله عظيم وعار في الدنيا لازم مقيم، والزم الحدود فإنّ فيها صلاحك في الآجل وصلاحك في العاجل، ولا تعتد فيها فتبور، فإنّ الله تعالى لو علم أنّ شيئا أصلح منها لدينه وأزجر عن معاصيه لأمر به في كتابه. واعلم أنّ من شدّة غضب الله لسلطانه أمر في كتابه بتضعيف العذاب والعقاب على من سعى في الأرض فسادا مع ما ادّخر له من العذاب الأليم فقال: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ في الْأَرْضِ فَساداً ٥: ٣٣ الآية. فالسلطان يا بني حبل الله المتين وعروته الوثقى ودينه المقيم فاحفظه وحصّنه وذبّ عنه، وأوقع بالملحدين اقمع المارقين منه، وقابل الخارجين عنه بالعقاب، ولا تجاوز ما أمر الله به في محكم القرآن. واحكم بالعدل

<<  <  ج: ص:  >  >>