للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمغرب فسدت عصبيّتهم منذ المائة الخامسة أو ما قبلها واستمرّت لهم الدّولة متقلّصة الظّلّ بالمهديّة وبجاية والقلعة وسائر ثغور إفريقية وربّما انتزى [١] بتلك الثّغور من نازعهم الملك واعتصم فيها والسّلطان والملك مع ذلك مسلم لهم حتّى تأذّن الله بانقراض الدّولة وجاء الموحّدون بقوّة قويّة من العصبيّة في المصامدة فمحوا آثارهم وكذا دولة بني أميّة بالأندلس لمّا فسدت عصبيّتها من العرب استولى ملوك الطّوائف على أمرها واقتسموا خطّتها وتنافسوا بينهم وتوزّعوا ممالك الدّولة وانتزى كلّ واحد منهم على ما كان في ولايته وشمخ بأنفه وبلغهم شأن العجم مع الدّولة العبّاسيّة فتلقّبوا بألقاب الملك ولبسوا شارته وأمنوا ممّن ينقض ذلك عليهم أو يغيّره لأنّ الأندلس ليس بدار عصائب ولا قبائل كما سنذكره واستمرّ لهم ذلك كما قال ابن شرف.

ممّا يزهّدني في أرض أندلس ... أسماء معتصم فيها ومعتضد

ألقاب مملكة في غير موضعها ... كالهرّ يحكي انتفاخا صورة الأسد

فاستظهروا على أمرهم بالموالي والمصطنعين والطّراء [٢] على الأندلس من أهل العدوة من قبائل البربر وزناتة وغيرهم اقتداء بالدّولة في آخر أمرها في الاستظهار بهم حين ضعفت عصبيّة العرب واستبدّ بن أبي عامر على الدّولة فكان لهم دول عظيمة استبدّت كلّ واحدة منها بجانب من الأندلس وحظّ كبير من الملك على نسبة الدّولة الّتي اقتسموها ولم يزالوا في سلطانهم ذلك حتّى جاز إليهم البجر المرابطون أهل العصبيّة القويّة من لمتونة فاستبدلوا بهم وأزالوهم عن مراكزهم ومحوا آثارهم ولم يقتدروا على مدافعتهم لفقدان العصبيّة لديهم فبهذه العصبيّة يكون تمهيد الدّولة وحمايتها من أوّلها وقد ظنّ الطّرطوشيّ أنّ حامية الدّول بإطلاق هم الجند أهل العطاء المفروض مع الآهلة ذكر ذلك في كتابه الّذي


[١] بمعنى توثب، والأصح تنزى.
[٢] بمعنى الذين أتوا من أماكن اخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>