للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مؤنس قد استوحشا من مؤنس لتقدّم بليق وابنه عليهما. وكان اعتماد مؤنس على الساجيّة وقد جاءوا معه من الموصل ولم يوف لهم فاستوحشوا لذلك، فداخلهم القاهر جميعا وأغراهم بمؤنس وبليق، وبعث إلى أبي جعفر محمد بن القاسم بن عبد الله وكان مختصا بابن مقلة وصاحب رأيه، فوعده بالوزارة فكان يطالعه بالأخبار. وشعر ابن مقلة بذلك فأبلغوا إلى مؤنس وبليق، وأجمعوا على خلع القاهر، واتفق بليق وابنه عليّ وابن مقلة والحسن بن هارون على البيعة لأبي أحمد بن المكتفي فبايعوه، وحلفوا له وأطلعوا مؤنسا على ذلك، فأشار بالمهل وتأنيس القاهر حتى يعرفوا من واطأه من القوّاد والساجيّة [١] والحجرية فأبوا وهوّنوا عليه الأمر في استعجال خلفه فأذن لهم، فأشاعوا أن أبا طاهر القرمطيّ ورد الكوفة، وندبوا عليّ بن بليق للمسير إليه ليدخل للوداع ويقبض على القاهر وابن مقلة كان نائما فلما استيقظ أعاد الكتاب إلى القاهر فاستراب. ثم جاءه طريف السيكري [٢] غلام مؤنس في زي امرأة مستنصحا، فأحضره وأطلعه على تدبيرهم وبيعتهم لأبي أحمد بن المكتفي فأخذ القاهر حذره، وأكمن الساجيّة في دهاليز القصر وممرّاته، وجاء عليّ بن بليق في خف من أصحابه، واستأذن فلم يؤذن له، وكان ذا خمار فغضب وأفحش في القول فأخرج الساجيّة في السلاح وشتموه وردّوه، وفرّ عنه أصحابه وألقى بنفسه في الطيار وعبر إلى الجانب الغربي. واختفى الوزير ابن مقلة والحسن بن هارون، وركب طريف إلى دار القاهر، فأنكر بليق ما جرى لابنه وشتم الساجيّة وقال: لا بدّ أن أستعدي الخليفة عليهم، وجاء إلى القاهر ومعه قوّاد مؤنس، فلم يأذن له وقبض عليه وحبسه، وعلى أحمد بن زيرك صاحب الشرطة، وجاء العسكر منكرين لذلك فاسترضاهم ووعدهم بالزيارة وبإطلاق هؤلاء المحبوسين فافترقوا، وبعث إلى مؤنس بالحضور عنده ليطالعه برأيه فأبى فعزله، وولّى طريف السيكرى مكانه وأعطاه خاتمه وقال: قد فوّضت إلى ابني عبد الصمد ما كان المقتدر فوّضه إلى ابنه محمد، وقلّدتك خلافته ورياسة الجيش وإمارة الأمراء وبيوت الأموال كما كان مؤنس وأمض إليه وأحمله إلى دار الخلافة مرفّها عليه لئلا يجتمع إليه أهل الشرّ ويفسد ما بيننا


[١] الساجية أو الساجة فرقة من عسكر الخلافة مسماة بهذا الاسم على ما هو اصطلاح الملوك في تلقيب كل جماعة من العسكر تمييزا لهم عمن عداهم أهـ. من خط الشيخ العطّار.
[٢] طريف السكريّ وقد مرّ ذكره من قبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>