للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغير والذّبّ عن الحوزة [١] أسوة في طموحها وقوّة شكائمها ومرماهم إلى العزّ جميعا يستطيبون الموت في بناء مجدهم ويؤثرون الهلكة على فساده وإذا انفرد الواحد منهم بالمجد قرع عصبيّتهم وكبح من أعنّتهم واستأثر بالأموال دونهم فتكاسلوا عن الغزو وفشل ربحهم ورئموا [٢] المذلّة والاستعباد ثمّ ربي الجيل الثّاني منهم على ذلك يحسبون ما ينالهم من العطاء أجرا من السّلطان لهم عن الحماية والمعونة لا يجري في عقولهم سواه وقل أن يستأجر أحد نفسه على الموت فيصير ذلك وهنا في الدّولة وخضدا من الشّوكة وتقبل به على مناحي الضعف والهرم لفساد العصبيّة بذهاب البأس من أهلها. والوجه الثّاني أنّ طبيعة الملك تقتضي التّرف كما قدّمناه فتكثر عوائدهم وتزيد نفقاتهم على أعطياتهم ولا يفي دخلهم بخرجهم فالفقير منهم يهلك والمترف يستغرق عطاءه بترفه ثمّ يزداد ذلك في أجيالهم المتأخّرة إلى أن يقصر العطاء كلّه عن التّرف وعوائده وتمسّهم الحاجة وتطالبهم ملوكهم بحصر نفقاتهم في الغزو والحروب فلا يجدون وليجة [٣] عنها فيوقعون بهم العقوبات وينتزعون ما في أيدي الكثير منهم يستأثرون به عليهم أو يؤثرون به أبناءهم وصنائع دولتهم فيضعفونهم لذلك عن إقامة أحوالهم ويضعف صاحب الدّولة بضعفهم وأيضا إذا كثر التّرف في الدّولة وصار عطاؤهم مقصّرا عن حاجاتهم ونفقاتهم احتاج صاحب الدّولة الّذي هو السّلطان إلى الزّيادة في أعطياتهم حتّى يسدّ خللهم [٤] ويزيح عللهم والجباية مقدارها معلوم ولا تزيد ولا تنقص وإن زادت بما يستحدث من المكوس فيصير مقدارها بعد الزّيادة محدودا فإذا وزّعت الجباية على الأعطيات وقد حدثت فيها الزّيادة لكلّ واحد بما حدث من ترفهم وكثرة نفقاتهم نقص عدد الحامية حينئذ عمّا كان قبل زيادة الأعطيات ثمّ يعظم


[١] الدفاع عن الناحية.
[٢] أحبوا وآلفوا.
[٣] الوليجة: البطانة والخاصة ومن يتخذه الإنسان معتمدا عليه من غير أهله (قاموس) .
[٤] الخلل: الوهن في الأمر والرقة في الناس (قاموس) ولعل الكلمة محرّفة من كلمة الخلّة وهي الحاجة.

<<  <  ج: ص:  >  >>