للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانظر بالمشاهدة إيوان كسرى وما اقتدر فيه الفرس حتّى إنّه عزم الرّشيد على هدمه وتخريبه فتكاءد [١] عنه وشرع فيه ثمّ أدركه العجز وقصّة استشارته ليحيى بن خالد في شأنه معروفة فانظر كيف تقتدر دولة على بناء لا تستطيع أخرى على هدمه مع بون ما بين الهدم والبناء في السّهولة. تعرف من ذلك بون ما بين الدّولتين وانظر إلى بلاط الوليد بدمشق وجامع بني أميّة بقرطبة والقنطرة الّتي على واديها وكذلك بناء الحنايا لجلب الماء إلى قرطاجنّة في القناة الرّاكبة عليها وآثار شرشال بالمغرب والأهرام بمصر وكثير من هذه الآثار الماثلة للعيان يعلم منه اختلاف الدّول في القوّة والضّعف.

واعلم أنّ تلك الأفعال للأقدمين إنّما كانت بالهندام [٢] واجتماع الفعلة وكثرة الأيدي عليها فبذلك شيّدت تلك الهياكل والمصانع ولا تتوهّم ما تتوهّمه العامّة أنّ ذلك لعظم أجسام الأقدمين عن أجسامنا في أطرافها وأقطارها فليس بين البشر في ذلك كبير بون كما نجد بين الهياكل والآثار ولقد ولع القصّاص بذلك وتغالوا فيه وسطّروا عن عاد وثمود والعمالقة في ذلك أخبارا عريقة في الكذب من أغربها ما يحكون عن عوج بن عناق [٣] رجل من العمالقة الّذين قاتلهم بنو إسرائيل في الشّام زعموا أنّه كان لطوله يتناول السّمك من البحر ويشويه إلى الشّمس ويزيدون إلى جهلهم بأحوال البشر الجهل بأحوال الكواكب لما اعتقدوا أنّ للشّمس حرارة وأنّها شديدة فيما قرب منها ولا يعلمون أنّ الحرّ هو الضّوء وأنّ الضّوء فيما قرب من الأرض أكثر لانعكاس الأشعّة من سطح الأرض بمقابلة الأضواء فتتضاعف الحرارة هنا لأجل ذلك وإذا تجاوزت مطارح الأشعّة المنعكسة


[١] تكاءد: تكلفه وكابده. والأصح أن يقول تكاءده.
[٢] الهندام: التنظيم والإصلاح.
[٣] قوله ابن عناق الّذي في القاموس في باب الجيم عوج بن عوق بالواو والمشهور على ألسنة الناس عنق بالنون قاله نصر الهوريني (وهو رجل ولد في منزل آدم. فعاش إلى زمن موسى، وذكر من عظم خلقه ما لا يصدقه العقل) .

<<  <  ج: ص:  >  >>