للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقاصد من الخلف والسّلف منهم فتعسر طاعته لذلك وتجيء العصبيّة المفضية إلى الهرج والقتل فوجب أن يرجع في ذلك إلى قوانين سياسيّة مفروضة يسلّمها الكافّة وينقادون إلى أحكامها كما كان ذلك للفرس وغيرهم من الأمم وإذا خلت الدّولة من مثل هذه السّياسة لم يستتبّ أمرها ولم يتمّ استيلاؤها «سنّة الله في الّذين خلوا من قبل» . فإذا كانت هذه القوانين مفروضة من العقلاء وأكابر الدّولة وبصرائها كانت سياسة عقليّة وإذا كانت مفروضة من الله بشارع يقرّرها ويشرّعها كانت سياسة دينيّة نافعة في الحياة الدّنيا وفي الآخرة وذلك أنّ الخلق ليس المقصود بهم دنياهم فقط فإنّها كلّها عبث وباطل إذ غايتها الموت والفناء، والله يقول «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً ٢٣: ١١٥» فالمقصود بهم إنّما هو دينهم المفضي بهم إلى السّعادة في آخرتهم «صِراطِ الله الَّذِي لَهُ ما في السَّماواتِ وَما في الْأَرْضِ ٤٢: ٥٣» فجاءت الشّرائع بحملهم على ذلك في جميع أحوالهم من عبادة ومعاملة حتّى في الملك الّذي هو طبيعيّ للاجتماع الإنسانيّ فأجرته على منهاج الدّين ليكون الكلّ محوطا بنظر الشّارع. فما كان منه بمقتضى القهر والتّغلّب وإهمال القوّة العصبيّة في مرعاها فجور وعدوان ومذموم عنده كما هو مقتضى الحكمة السّياسيّة وما كان منه بمقتضى السّياسة وأحكامها فمذموم أيضا لأنّه نظر بغير نور الله «وَمن لَمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُوراً فَما لَهُ من نُورٍ ٢٤: ٤٠» لأنّ الشّارع أعلم بمصالح الكافّة فيما هو مغيّب عنهم من أمور آخرتهم وأعمال البشر كلّها عائدة عليهم في معادهم من ملك أو غيره قال صلّى الله عليه وسلّم «إنّما هي أعمالكم تردّ عليكم» وأحكام السّياسة إنّما تطلع على مصالح الدّنيا فقط «يَعْلَمُونَ ظاهِراً من الْحَياةِ الدُّنْيا ٣٠: ٧» ، ومقصود الشّارع بالنّاس صلاح آخرتهم فوجب بمقتضى الشّرائع حمل الكافّة على الأحكام الشّرعيّة في أحوال دنياهم وآخرتهم وكان هذا الحكم لأهل الشّريعة وهم الأنبياء ومن قام فيه مقامهم وهم الخلفاء فقد تبيّن لك من ذلك معنى الخلافة وأنّ الملك الطّبيعيّ هو حمل الكافّة على مقتضى الغرض والشّهوة والسّياسيّ هو حمل الكافّة على مقتضى

<<  <  ج: ص:  >  >>