للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثيفا إلى حلب، وأبو المعالي بن سيف الدولة عليها يحاصرها ففارقها أبو المعالي، وقصد البرية وملك الروم حلب. وتحصن قرعوية وأهل البلد بالقلعة فحاصروها مدّة، ثم ضربوا الهدنة بينهم على مال يحمله قرعوية، وعلى أن الروم إذا أرادوا الميرة من قرى الفرات لا يمنعونهم منها. ودخل في هذه الهدنة حمص وكفر طاب والمعرة وأفامية وشيزر، وما بين ذلك من الحصون والقرى، وأعطاهم رهنهم على ذلك الروم، وأفرج الروم عن حلب. وكان ملك الروم قد بعث جيشا إلى ملازكرد من أعمال أرمينية فحاصروها وفتحوها عنوة، ورعب أهل الثغور منهم في كل ناحية.

[(مقتل يعفور ملك الروم)]

كان يعفور ملكا بالقسطنطينية، وهي البلاد التي بيد بني عثمان لهذا العهد، وكان من يليها يسمى الدمشق [١] . وكان يعفور هذا شديدا على المسلمين، وهو الّذي أخذ حلب أيام سيف الدولة. وملك طرسوس والمسينة [٢] وعين زربة. وكان قتل الملك قبله وتزوج امرأته، وكان له منها ابنان فكفلهما يعفور وكان كثيرا ما يطرق بلاد المسلمين ويدوخها في ثغور الشام والجزيرة، حتى هابه المسلمون وخافوه على بلادهم. ثم أراد أن يجب [٣] ربيبيه ليقطع نسلهما فغرقت [٤] أمهما من ذلك، وأرسلت إلى الدمشق بن الشمشيق [٥] وداخلته في قتله. وكان شديد الخوف من يعفور. وهذا كان أبوه مسلما من أهل طرسوس يعرف بابن العفاش تنصر ولحق بالقسطنطينية. ولم يزل يترقى في الأطوار إلى أن نال من الملك ما ناله. وهذه غلطة ينبغي للعقلاء أن يتنزهوا عنها، ولا ينال الملك من كان عريقا في السوقة، وفقيدا [٦] للعصابة بالكلية وبعيدا عن نسب أهل الدولة، فقد تقدم من ذلك في مقدمة الكتاب ما فيه كفاية.


[١] الدمستق كما مر من قبل.
[٢] المصيصة: ابن الأثير ج ٨ ص ٦٠٧.
[٣] بمعني يخصي ابني الملك ليقطع نسلهما.
[٤] لا معنى لها ومقتضى السياق وقلقت أمهما من ذلك.
[٥] اسمه الدمستق بن الشمشقيق وقد مر معنا من قبل.
[٦] الفقيد: بمعنى المفقود في اللغة، ويظهر ان ابن خلدون يقصد الفاقد وقد كرر هذا المعنى مرات عديدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>