للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشكوهم فأجابه بمداراة الأمور إلى حين وصوله. وكان محمد بن رجاء كاتب أحمد مداخلا لابنه العبّاس فكان يبعث إليه بكتب الواسطي يتنزّل له، فاطّلع على جواب أبيه عن كتبه بالمداراة، فازداد خوفا وحمل ما كان هنالك من المال والسلاح، وهو ألف ألف دينار. وتسلّف من التجّار مائتي ألف أخرى، واحتمل أحمد بن محمد الواسطي وأيمن الأسود مقيّدين، وسار إلى برقة. ورجع أحمد إلى مصر وبعث له جماعة فيهم القاضي أبو بكرة بكّار بن قتيبة والصابوني القاضي وزياد المرّيّ مولى أشهب، فتلطّفوا به بالموعظة حتى لان، ثم منعه بطانته وخوّفوه فقال لبكّار:

ناشدتك الله هل تأمنه عليّ؟ فقال: هو قد حلف، وأنا لا أعلم فمضى على ريبته.

ورجع القوم إلى أبيه وسار هو إلى إفريقية يطلب ملكها، وسهّل عليه أصحابه أمر إبراهيم بن أحمد بن الأغلب صاحبها، وكتب إليه بأنّ المعتمد قلّده إفريقية، وأنه أقرّه عليها. وانتهى إلى مدينة لبدة [١] فخرج عليه عامل ابن الأغلب فقبض عليه، ونهب البلد وقتل أهله، وفضح نساءهم فاستغاثوا بإلياس بن منصور كبير نفوسة ورئيس الإباضيّة، وقد كان خاطبه يتهدّده على الطاعة. وبلغ الخبر إلى ابن الأغلب فبعث العساكر مع خادمه بلاغ، وكتب إلى محمد بن قهرب عامل طرابلس بأن يظاهر معه على قتال العبّاس فسار ابن قهرب وناوشه القتال من غير مسارعة. ثم صحبهم الياس في اثني عشر ألفا من قومه. وجاء بلاغ الخادم من خلفه فأجفل، واستبيح أمواله وذخائره، وقتل أكثر من كان معه، وأفلت بحاشيته. وانطلق أيمن الأسود من القيد ورجع إلى مصر. وجاء العبّاس إلى برقة مهزوما وكان قد أطلق أحمد الواسطي بعد أن ضمن حزب برقة إحضاره، فلما رجع أعاده إلى محبسه فهرب من المحبس، ولحق بالفسطاط ووجد أحمد بن طولون قد سار إلى الإسكندرية عازما على الرحيل إلى برقة، فهوّن أمره، ومنعه من الرحيل بنفسه، وخرج طبارجي وأحمد الواسطي فجاءوا به مقيّدا على بغل، وذلك سنة سبع وستين ومائتين وقبض على كاتبه محمد بن رجاء وحبسه لما كان يطلع ابنه العبّاس على كتبه، ثم ضرب ابنه وهو باك عليه وحبسه.


[١] وفي نسخة أخرى لبلة، ولبلة هي قصبه كورة بالأندلس وليست معنية هنا. والصحيح لبدة وهي مدينة بين برقة وافريقية، وقيل بين طرابلس وجبل نفوسة. (معجم البلدان) .

<<  <  ج: ص:  >  >>