للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رشيد أميرا بها كما ذكرنا ذلك في أخبار الدولة الصنهاجية من أخبار البربر وتوفي رشيد سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة ونصب مولاه يوسف ابنه الصغير محمد بن رشيد وأخرج ابنه الكبير معمرا واستبد على محمد وتعرض لحرمة سرّا وكان فيهن امرأة رشيد وساروا إلى التمحض بصاحب المهدية يشكون فعله وكاتبه الحسن في ذلك فلم يجبه وتهدّده بإدخال الإفرنج إلى قابس فجهز إليه العساكر وبعث يوسف إلى رجار صاحب طرابلس بطاعته وأن يوليه على قابس كما ولي ابن مطروح على طرابلس وشعر أهل البلد بمداخلته للإفرنج فلما وصل عساكر الحسن ثاروا به معهم وتحصن يوسف بالقصر فملكوه عنوة وأخذ يوسف أسيرا وملك معمر قابس مكان أخيه محمد وامتحن يوسف بأنواع العذاب إلى أن هلك وأخذ بنو قرة أختهم ولحق عيسى أخو يوسف وولد يوسف برجار صاحب صقلّيّة واستجاروا به وكان الغلاء قد اشتدّ بإفريقية سنة سبع وثلاثين ولحق أكثر أهلها بصقلية وأكل بعضهم بعضا وكثر الموتان فاغتنم رجار الفرصة ونقض الصلح الّذي كان بينه وبين الحسن بن علي صاحب المهدية [١] لسنين وجهز أسطوله مائتين وخمسين من الشواني وشحنها بالمقاتلة والسلاح ومقدّم الأسطول جرجي بن ميخاييل أصله من المنتصرة وقد ذكرنا خبره في أخبار صنهاجة والموحدين فقصد قوصرة وصادف بها مركبا من المهدية فغنمه ووجد عندهم حمام البطاقة فبعث الخبر إلى المهدية على أجنحتها بأن أسطول الإفرنج أقلع إلى القسطنطينية ثم أقلع فأصبح قريبا من المرسي في ثامن صفر سنة ثلاث وأربعين وقد بعث الله الريح فعاقتهم عن دخول المرسي ففاته غرضه وكتب إلى الحسن بأنه باق على الصلح وإنما جاء طالبا بثأر محمد بن رشيد ورده إلى بلده قابس فجمع الحسن الناس واستشارهم فأشاروا بالقتال فخام عنه واعتذر بقلة الأقوات وارتحل من البلد وقد حمل ما خف حمله وخرج الناس بأهاليهم وما خف من أموالهم واختفى كثير من المسلمين في الكنائس ثم ساعد الريح أسطول الإفرنج ووصلوا إلى المرسي ونزلوا إلى البلد من غير مدافع ودخل جرجي القصر فوجده على حاله مملوءا بالذخائر النفسية التي يعز وجود مثلها وبعث بالأمان إلى كلّ من شرد من أهلها فرجعوا وأقرّهم على الجزية وسار الحسن بأهله وولده إلى المعلقة وبها محرز بن زياد من أمراء الهلاليين ولقيه في طريقه حسن بن ثعلب من أمراء الهلاليين بمال انكسر له في ديوانه فأخذ ابنه يحيى رهينة به ولما وصل محرز بن زياد أكرم لقاءه وبرّ مقدمه جزاء بما كان يؤثره على العرب ويرفع محله وأقام عنده شهرا ثم عزم على المسير إلى مصر وبها يومئذ الحافظ فأرصد له جرجي الشواني في البحر


[١] المهدية: مدينة بإفريقية منسوبة إلى المهدي، وبينها وبين القيروان مرحلتان والقيروان في جنوبيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>