للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلم والدين فخرجوا بأموالهم وأهاليهم إلى القرى وأقام بها عشرا ورجع إلى المهدية ثم إلى صقلّيّة فنكر عليه رجار رفقه بالمسلمين في بونة وحبسه ثم اتهم في دينه فاجتمع الأساقفة والقسوس وأحرقوه ومات رجار آخر هذه السنة لعشرين سنة من ملكه وولى ابنه غليالم مكانه وكان حسن السيرة واستوزر مائق البرقياني فأساء التدبير واختلف عليه حصون من صقلّيّة وبلاد قلورية [١] وتعدّى الأمراء على إفريقية على ما سيأتي إن شاء الله تعالى والله تعالى أعلم [٢] .


[ () ] البلد وقوم إلى البرية وقتل منهم جماعة ودخل الفرنج البلد فملكوه بعد قتال شديد وقتلى كثيرة، وأسر من بقي من الرجال وسبى الحريم وذلك في الثالث والعشرين من صفر، ثم نودي بالأمان فعاد أهلها إليها وأفتكوا حرمهم وأولادهم ورفق بهم وبأهل سوسة والمهدية وبعد ذلك وصلت كتب من رجار لجميع أهل إفريقية بالأمان والمواعيد الحسنة. ولما استقرت أحوال البلاد سار جرجي في أسطول إلى قلعة إقليبية وهي قلعة حصينة فلما وصل إليها سمعته العرب فاجتمعوا إليها، ونزل إليهم الفرنج فاقتتلوا فانهزم الفرنج وقتل منهم خلق كثير فرجعوا خاسرين إلى المهدية، وصار للفرنج من طرابلس الغرب إلى قريب تونس ومن المغرب إلى دون القيروان والله أعلم.
[١] قلوّرية: جزيرة في شرقي صقلّيّة وأهلها إفرنج، ولها مدن كثيرة وبلاد واسعة (معجم البلدان) .
[٢] ذكرت هذه الحادثة هنا مقتضية، وفي الكامل ج ١١ ص ٢٠٣ (ذكر عصيان الجزائر وإفريقية على ملك الفرنج بصقلية وما كان منهم) قد ذكرنا سنة ثمان وأربعين وخمسمائة موت رجّار ملك صقلّيّة وملك ولده غليالم وأنه كان فاسد التدبير فخرج عن حكمه عدة من حصون صقلّيّة، فلما كان هذه السنة قوي طمع الناس فيه فخرج عن طاعته جزيرة جربة وجزيرة قرقنّة وأظهروا الخلاف عليه، وخالف عليه أهل إفريقية فأول من أظهر الخلاف عليه عمر بن أبي الحسين الفريابي بمدينة سفاقس. وكان رجار قد استعمل عليها لما فتحها أباه أبا الحسين وكان من العلماء الصالحين فأظهر العجز والضعف وقال استعمل ولدي فاستعمله وأخذ أباه رهينة إلى صقلّيّة. فلما أراد المسير إليها قال لولده عمر إنني كبير السن وقد قارب أجلي فمتى أمكنتك الفرصة في الخلاف على العدو فأفعل ولا تراقبهم ولا تنظر في أنني أقتل وأحسب أني قدمت، فلما وجد هذه الفرصة دعا أهل المدينة إلى الخلاف وقال: يطلع جماعة منكم إلى السور وجماعة يقصدون مساكن الفرنج والنصارى جميعهم ويقتلونهم كلهم فقالوا له: إن سيدنا الشيخ والدك نخاف عليه، قال هو أمرني بهذا، وإذا قتل بالشيخ ألوف من الأعداء فما مات، فلم تطلع الشمس حتى قتلوا الفرنج عن آخرهم وكان ذلك أول سنة إحدى وخمسين وخمسمائة. ثم أتبعه يحيى بن مطروح بطرابلس وبعدهما محمد بن رشيد بقابس وسار عسكر عبد المؤمن إلى بونه فملكها وخرج جميع إفريقية عن حكم الفرنج ما عدا المهدية وسوسة. وأرسل عمر بن أبي الحسين إلى زويلة وهي مدينة بينها وبين المهدية نحو ميدان يحرضهم على الوثوب على من معهم من النصارى، ففعلوا ذلك وقدم عرب البلاد إلى زويلة فأعانوا أهلها على من بالمهدية من الفرنج وقطعوا الميرة عن المهدية، فلما اتصل الخبر بغليالم ملك صقلّيّة أحضر أبا الحسين وعرفه ما عمل ابنه فأمره أن يكتب إليه ينهاه عن ذلك ويأمره بالعود إلى طاعته ويخوفه عاقبة فعله، فقال: من قدم على هذا يرجع بكتاب. فأرسل إليه ملك صقلّيّة رسولا يتهدده ويأمره بترك ما ارتكبه فلم يمكنه عمر من دخول البلد يومه ذلك، فلما كان الغد خرج إلى الرسول يقول له هذا أبي قد دفنته وقد جلست للعزاء به فاصنعوا به ما أردتم، فعاد الرسول إلى غليالم فأخبره بما صنع عمر بن أبي الحسين فأخذ أباه وصلبه فلم يزل يذكر الله تعالى حتى مات. وأما زويلة فأنهم كثر جمعهم بالعرب وأهل سفاقس وغيرهم فحصروا المهدية وضيقوا عليها وكانت الأقوات بالمهدية قليلة فسير إليهم صاحب صقلّيّة عشرين شينيا فيها الرجال والطعام

<<  <  ج: ص:  >  >>