للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان استخلف أباه نجم الدين أيوب على مصر فبلغه أنه طرقه مرض شديد فوجد فيه عذر لنور الدين وكرّ راجعا إلى مصر وبعث الفقيه عيسى بذلك العذر وان حفظه مصر أهمّ عليه فلما وصل مصر وجد أباه قد توفي من سقطة سقطها عن مركوبة هزه المرح فرماه وحمل إلى بيته وقيذا ومات لأيام قريبة آخر ذي الحجّة من السنة ورجع نور الدين إلى دمشق وكان قد بعث رسوله كمال الدين الشهرزوريّ القاضي ببلاده وصاحب الوقوف والديوان لطلب التقليد للبلاد التي بيده مثل مصر والشام والجزيرة والموصل والتي دخلت في طاعته كديار بكر وخلاط وبلاد الروم وأن يعادله ما كان لأبيه زنكي من الإقطاع بالعراق وهي صريفين ودرب هارون وأن يسوغ قطعة أرض على شاطئ دجلة بظاهر الموصل يبني فيها مدرسة للشافعية فاسعف بذلك كله.

[وفاة نور الدين محمود وولاية ابنه إسماعيل الصالح]

ثم توفي نور الدين محمود بن الأتابك زنكي حادي عشر شوّال سنة تسع وستين وخمسمائة لسبع عشرة سنة من ولايته وكان قد شرع في التجهز لأخذ مصر من صلاح الدين بن أيوب واستنفر سيف الدين ابن أخيه في العساكر موريا بغزو الإفرنج وكان قد اتسع ملكه وخطب له بالحرمين الشريفين وباليمن لما ملكها سيف الدولة بن أيوب وكان معتنيا بمصالح المسلمين مواظبا على الصلاة والجهاد وكان عارفا بمذهب أبي حنيفة ومتحرّيا للعدل ومتجافيا عن أخذ المكوس في جميع أعماله وهو الّذي حصن قلاع الشام وبني الأسوار على مدنها مثل دمشق وحمص وحماة وشيرز وبعلبكّ وحلب وبنى مدارس كثيرة للحنفية والشافعية وبنى الجامع النوري بالموصل والمارستانات والخانات في الطريق والخوانق للصوفية في البلاد واستكثر من الأوقاف عليها يقال بلغ ريع أوقافه في كل شهر تسعة آلاف دينار صوري وكان يكرم العلماء وأهل الدين ويعظمهم ويتمثل لهم قائما ويؤنسهم في المجالسة ولا يردّ لهم قولا وكان متواضعا مهيبا وقورا ولما توفي اجتمع الأمراء والمقدّمون وأهل الدولة بدمشق وبايعوا ابنه الملك الصالح إسماعيل وهو ابن إحدى عشرة سنة وحلفوا له وأطاعه الناس بالشام وصلاح الدين بمصر وخطب له هنالك وضرب السكة باسمه وقام بكفالته وتدبير دولته الأمير شمس الدين محمد بن عبد الملك بن المقدّم وأشار عليه القاضي كمال الدين الشهرزوريّ بأن يرجعوا في جميع أمورهم إلى صلاح الدين لئلا ينبذ طاعتهم فأعرضوا عن ذلك والله تعالى وليّ التوفيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>