للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من سبتة إلى الشّام وعلى عدوته الشّماليّة بلاد الأندلس والإفرنجة والصّقالبة والرّوم إلى بلاد الشّام أيضا ويسمّى البحر الرّوميّ والبحر الشّاميّ نسبة إلى أهل عدوته والسّاكنون بسيف هذا البحر وسواحله من عدوتيه يعانون من أحواله ما لا تعانيه أمّة من أمم البحار فقد كانت الرّوم والإفرنجة والقوط بالعدوة الشّماليّة من هذا البحر الرّوميّ وكانت أكثر حروبهم ومتاجرهم في السّفن فكانوا مهرة في ركوبه والحرب في أساطيله ولمّا أسفّ [١] من أسفّ منهم إلى ملك العدوة الجنوبيّة مثل الرّوم إلى إفريقية والقوط إلى المغرب أجازوا [٢] في الأساطيل وملكوها وتغلّبوا على البربر بها وانتزعوا من أيديهم أمرها وكان لها بها المدن الحافلة مثل قرطاجنّة وسبيطلة وجلولاء ومرناق وشرشال وطنجة وكان صاحب قرطاجنّة من قبلهم يحارب صاحب رومة ويبعث الأساطيل لحربه مشحونة بالعساكر والعدد فكانت هذه عادة لأهل هذا البحر السّاكنين حفافيه معروفة في القديم والحديث ولمّا ملك المسلمون مصر كتب عمر بن الخطّاب إلى عمرو بن العاص رضي الله عنهما «أن صف لي البحر» فكتب إليه: «إنّ البحر خلق عظيم يركبه خلق ضعيف دود على عود» فأوعز حينئذ بمنع المسلمين من ركوبه ولم يركبه أحد من العرب إلّا من افتات على عمر في ركوبه ونال من عقابه كما فعل بعرفجة بن هرثمة الأزديّ سيّد بجيلة لمّا أغزاه عمّان فبلغه غزوة في البحر فأنكر عليه وعنّفه أنّه ركب البحر للغزو ولم يزل الشّأن ذلك حتّى إذا كان لعهد معاوية أذن للمسلمين في ركوبه والجهاد على أعواده والسّبب في ذلك أنّ العرب لبداوتهم لم يكونوا مهرة في ثقافته وركوبه والرّوم والإفرنجة لممارستهم أحواله ومرباهم في التّقلّب على أعواده مرنوا عليه وأحكموا الدّارية بثقافته فلمّا استقرّ الملك للعرب وشمخ سلطانهم وصارت أمم العجم خولا لهم وتحت أيديهم وتقرّب كلّ ذي صنعة إليهم بمبلغ صناعته واستخدموا من النّواتية في حاجاتهم البحريّة أمما وتكرّرت ممارستهم للبحر


[١] دنا.
[٢] قطعوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>