للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستماتة من لا يظنّ بها ويسمّون ذلك الغناء تاصوكايت وأصله كلّه فرح يحدث في النّفس فتنبعث عنه الشّجاعة كما تنبعث عن نشوة الخمر بما حدث عنها من الفرح والله أعلم وأمّا تكثير الرّايات وتلوينها وإطالتها فالقصد به التّهويل لا أكثر وربّما تحدث في النّفوس من التّهويل زيادة في الاقدام وأحوال النّفوس وتلويناتها غريبة والله الخلّاق العليم. ثمّ إنّ الملوك والدّول يختلفون في اتّخاذ هذه الشّارات فمنهم مكثر ومنهم مقلّل بحسب اتّساع الدّولة وعظمها فأمّا الرّايات فإنّها شعار الحروب من عهد الخليقة ولم تزل الأمم تعقدها في مواطن الحروب والغزوات لعهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومن بعده من الخلفاء. وأمّا قرع الطّبول والنّفخ في الأبواق فكان المسلمون لأوّل الملّة متجافين عنه تنزّها عن غلظة الملك ورفضا لأحواله واحتقارا لأبّهته الّتي ليست من الحقّ في شيء حتّى إذا انقلبت الخلافة ملكا وتبجّحوا بزهرة الدّنيا ونعيمها ولا بسهم الموالي من الفرس والرّوم أهل الدّول السّالفة وأروهم ما كان أولئك ينتحلونه من مذاهب البذخ والتّرف فكان ممّا استحسنوه اتّخاذ الآلة فأخذوها وأذنوا لعمّالهم في اتّخاذها تنويها بالملك وأهله فكثيرا ما كان العامل صاحب الثّغر أو قائد الجيش يعقد له الخليفة من العبّاسيين أو العبيديين لواءه ويخرج إلى بعثه أو عمله من دار الخليفة أو داره في موكب من أصحاب الرّايات والآلات فلا يميّز بين موكب العامل والخليفة إلّا بكثرة الألوية وقلّتها أو بما اختصّ به الخليفة من الألوان لرأيته كالسّواد في رايات بني العبّاس فإنّ راياتهم كانت سودا حزنا على شهدائهم من بني هاشم ونعيا على بني أميّة في قتلهم ولذلك سمّوا المسوّدة، ولمّا افترق أمر الهاشميّين وخرج الطّالبيّون على العبّاسيين من كلّ جهة وعصر ذهبوا إلى مخالفتهم في ذلك فاتّخذوا الرّايات بيضا وسمّوا المبيضة لذلك سائر أيّام العبيديّين ومن خرج من الطّالبيّين في ذلك العهد بالمشرق كالدّاعي بطبرستان وداعي صعدة أو من دعا إلى بدعة الرّافضة من غيرهم كالقرامطة. ولمّا نزع المأمون عن لبس السّواد

<<  <  ج: ص:  >  >>