للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونقل أنّه استعمل في ذلك الحجّاج حين أشار به روح بن زنباع وقصّتهما في إحراق فساطيط روح وخيامه لأوّل ولايته حين وجدهم مقيمين في يوم رحيل عبد الملك قصّة مشهورة. ومن هذه الولاية تعرف رتبة الحجّاج بين العرب فإنّه لا يتولّى إرادتهم على الظّعن إلّا من يأمن بوادر السّفهاء من أحيائهم بما له من العصبيّة الحائلة دون ذلك ولذلك اختصّه عبد الملك بهذه الرّتبة ثقة بغنائه فيها بعصبيّته وصرامته فلمّا تفنّنت الدّولة العربيّة في مذاهب الحضارة والبذخ ونزلوا المدن والأمصار وانتقلوا من سكنى الخيام إلى سكنى القصور ومن ظهر الخفّ إلى ظهر الحافر اتّخذوا للسّكنى في أسفارهم ثياب الكتّان يستعملون منها بيوتا مختلفة الأشكال مقدّرة الأمثال من القوراء [١] والمستطيلة والمربّعة ويحتفلون فيها بأبلغ مذاهب الاحتفال والزّينة ويدير الأمير والقائد للعساكر على فساطيطه وفازاته من بينهم سياجا من الكتّان يسمّى في المغرب بلسان البربر الّذي هو لسان أهله أفراك بالكاف والقاف ويختصّ به السّلطان بذلك القطر لا يكون لغيره. وأمّا في المشرق فيتّخذه كلّ أمير وإن كان دون السّلطان ثمّ جنحت الدّعة بالنّساء والولدان إلى المقام بقصورهم ومنازلهم فخفّ لذلك ظهرهم وتقاربت السّياج بين منازل العسكر واجتمع الجيش والسّلطان في معسكر واحد يحصره البصر في بسيطة زهوا أنيقا لاختلاف ألوانه واستمرّ الحال على ذلك في مذاهب الدّول في بذخها وترفها. وكذا كانت دولة الموحّدين وزناتة الّتي أظلّتنا كان سفرهم أوّل أمرهم في بيوت سكناهم قبل الملك من الخيام والقياطين [٢] حتّى إذا أخذت الدّولة في مذاهب التّرف وسكنى القصور وعادوا إلى سكنى الأخبية والفساطيط بلغوا من ذلك فوق ما أرادوه وهو من التّرف بمكان إلّا أنّ العساكر به تصير عرضة للبيات لاجتماعهم في مكان واحد تشملهم فيه الصّيحة ولخفّتهم من الأهل


[١] القوراء: الواسعة.
[٢] القياطين: المخادع.

<<  <  ج: ص:  >  >>