للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومصر واطلعوا بعض الأيام على غرّة في الإسكندرية وأخبروا حاجبهم وعزم على انتهاز الفرصة فيها فنهض في أساطيله واستنقر من سائر الافرنج ووافى مرساها سابع عشر من المحرّم سنة سبع وستين في اسطول عظيم يقال بلغ سبعين مركبا مشحونة بالعدّة والعدد ومعه الفرسان المقاتلة بخيولهم فلما أرسى بها قدّمهم الى السواحل وعبّى صفوفه وزحف وقد غص الساحل بالنظارة برزوا من البلد على سبيل النزهة لا يلقون بالا لما هو فيه ولا ينظرون مغبة أمره لبعد عهدهم بالحرب وحاميتهم يومئذ قليلة وأسوارهم من الرماة المناضلين دون الحصون خالية ونائبها القائم بمصالحها في الحرب والسلم وهو يومئذ خليل بن عوام غائب في قضاء فرضه فما هو الا أن رجعت تلك الصفوف على التعبية ونضحوا العوام بالنبل فأجفلوا متسابقين إلى المدينة وأغلقوا أبوابها وصعدوا إلى الأسوار ينظرون ووصل القوم إلى الباب فأحرقوه واقتحموا المدينة واضطرب أهلها وماج بعضهم في بعض ثم أجفلوا إلى جهة البرّ بما أمكنهم من عيالهم وولدهم وما اقتدروا عليه من أموالهم وسالت بهم الطرق والأباطح ذاهبين في غير وجه حيرة ودهشة وشعر بهم الأعراب أهل الضاحية فتخطفوا الكثير منهم وتوسط الأفرنج المدينة ونهبوا ما مرّوا عليه من الدور وأسواق البر ودكاكين الصيارفة ومودعات التجار وملئوا سفنهم من المتاع والبضائع والذخيرة والصامت واحتملوا ما استولوا عليه من السبي والأسرى وأكثر ما فيهم الصبيان والنساء ثم تسايل اليهم الصريخ من العرب وغيرهم فانكفأ الافرنج إلى أساطيلهم وانكمشوا فيها بقية يومهم وأقلعوا من الغد وطار الخبر إلى كافل الدولة بمصر الأمير بيبقا فقام في ركائبه وخرج لوقته بسلطانه وعساكره ومعه ابن عوام نائب الإسكندرية منصرفه من الحج وفي مقدمته خليل بن قوصون وقطلوبغا الفخري من أمرائه وعزائمهم مرهفة ونياتهم في الجهاد صادقة حتى بلغهم الخبر في طريقهم باقلاع العدوّ فلم يثنه ذلك واستمرّ إلى الإسكندرية وشاهد ما وقع بها من معرّة الخراب وآثار الفساد فأمر بهدم ذلك وإصلاحه ورجع ادراجه إلى دار الملك وقد امتلأت جوانحه غيظا وحنقا على أهل قبرص فأمر بإنشاء مائه اسطول من الأساطيل التي يسمونها القربان معتزما على غزو قبرص فيها بجميع من معه من عساكر المسلمين بالديار المصرية واحتفل في الاستعداد لذلك واستكثر من السلاح وآلات الحصار وكمل غرضه من ذلك كله في رمضان من السنة لثمانية أشهر من الشروع فيه فلم بقدر على تمام غرضه من الجهاد لما وقع من العوائق كما نقصه والله تعالى ولىّ التوفيق

.

<<  <  ج: ص:  >  >>