للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا السلطان وأناته وحسن نيته وبصيرته وكرم عهده وجميل وفائه وانطلقت الألسن بالدعاء له وامتلأت القلوب بالمحبة وعلم الأولياء والخاصة والشيع والكافة انهم في كفالة أمن ولطف وملكة إحسان وعدل ثم مكث حولا يتعقب أحواله ويتتبع سيره وأخباره طاويا شأنه في ذلك عن سائر الأولياء إلى أن وقف على الصحيح من أمره وعلم خلوص مصادقته وجميل خلوصه فاخفق سعي الداعين وخابت ظنون الكاشحين وأداله العتبى من العتاب والرضا من النكرى واعتقد أن يمحو عنه هواجس الاسترابة والاستيحاش ويردّه إلى أرفع الامارة وبينما هو يطوي على ذلك ضميره ويناجي سره إذ حدثت واقعة بندمر بالشام فكانت ميقاتا لبدر السعادة وعلما على فوزه بذلك الحظ كما نذكر أن شاء الله تعالى وخبر هذه الواقعة أنّ بندمر الخوارزمي كان نائبا بدمشق وقد مرّ ذكره غير مرّة وأصله من الخوارزمية اتباع خوارزم شاه صاحب العراق عند استيلاء التتر وافترقوا عند مهلكه على يد جنكزخان في ممالك الشام واستخدموا لبني أيوب والترك أوّل استبدادهم بمصر وكان هذا الرجل من أعقاب أصلهم وكان له نجابة جذبت بضيعة ونصب عند الأمراء من سوقه فاستخدم بها إلى أن ترشح للولاية في الأعمال وتداول امارة دمشق مع منجك اليوسفي وعشقتمر الناصري وكان له انتقاض بدمشق عند تغلب الخاصكي وحاصره واستنزله بأمانة ثم أعيد إلى ولايته ثم تصرّمت تلك الدول وتغلب هذا السلطان على الأمر ورادفه فيه فولوه على دمشق وكانت صاغيته مع بركة فلما حدث انتقاض بركة كتب اليه والى بقري بدمشق أولياؤه هنالك بالاستيلاء على القلعة وكتب برقوق إلى نائب القلعة يحذرهم فركب جنتمر أخو طاز وابن جرجي ومحمد بيك وقاتلوه ثلاثا ثم أمسكوه وقيدوه ومعه بقري بن برقش وجبريل مرتبه وسيقوا إلى الاسكندرية فحبسوا فلما قتل بركة أطلق بندمر ومن كان حبس من أصحاب بركة مثل بيبقا الناصري ودمرداش الأحمدي ثم استخلصه السلطان برقوق وردّه إلى عمله الأول بعد جلوسه على التخت والشام له وكان جماعا للأموال شديد الظلامة فيها متحيلا على استخلاصها من أيدي أهلها بما يطرق لهم من أسباب العقاب مصانعا للحاشية بماله من حاميته إلى أن سئم الناس ايالته وترحمت القلوب منه وكان بدمشق جماعة من الموسوسين المسامرين لطلب العلم بزعمهم متهمون في عقيدتهم بين مجسم ورافضي وحلولي جمعت بينهم أنساب الضلال والحرمان وقعدوا عن نيل الرتب بما هم فيه تلبسوا بإظهار الزهد والنكير على الخلق حتى على الدولة في توسعة بطلان الأحكام والجباية عن الشرع إلى السياسة التي تداولها الخلفاء وأرخص فيها العلماء وأرباب الفتيا وحملة الشريعة بما تمس اليه الحاجة من

<<  <  ج: ص:  >  >>