للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المغارم ويزيدون في كلّ وظيفة ووزيعة مقدارا عظيما لتكثر لهم الجباية ويضعون المكوس على المبايعات وفي الأبواب كما نذكر بعد ثمّ تتدرّج الزّيادات فيها بمقدار بعد مقدار لتدرّج عوائد الدّولة في التّرف وكثرة الحاجات والإنفاق بسببه حتّى تثقل المغارم على الرّعايا وتهضمهم وتصير عادة مفروضة لأنّ تلك الزّيادة تدرّجت قليلا قليلا ولم يشعر أحد بمن زادها على التّعيين ولا من هو واضعها إنّما ثبت على الرّعايا في الاعتمار لذهاب الأمل من نفوسهم بقلّة النّفع إذا قابل بين نفعه ومغارمه وبين ثمرته وفائدته فتنقبض كثير من الأيدي عن الاعتمار جملة فتنقص جملة الجباية حينئذ بنقصان تلك الوزائع منها وربّما يزيدون في مقدار الوظائف إذا رأوا ذلك النّقص في الجباية ويحسبونه جبرا لما نقص حتى تنتهي كلّ وظيفة ووزيعة إلى غاية ليس وراءها نفع ولا فائدة لكثرة الإنفاق حينئذ في الاعتمار وكثرة المغارم وعدم وفاء الفائدة المرجوّة به فلا تزال الجملة في نقص ومقدار الوزائع والوظائف في زيادة لما يعتقدونه من جبر الجملة بها إلى أن ينتقص العمران بذهاب الآمال من الاعتمار ويعود وبال ذلك على الدّولة لأنّ فائدة الاعتمار عائدة إليها وإذا فهمت ذلك علمت أنّ أقوى الأسباب في الاعتمار تقليل مقدار الوظائف على المعتمرين ما أمكن فبذلك تنبسط النّفوس إليه لثقتها بإدراك المنفعة فيه والله سبحانه وتعالى «مالك الأمور كلها وبِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ٢٣: ٨٨» [١]

[الفصل التاسع والثلاثون في ضرب المكوس أواخر الدولة]

اعلم أنّ الدّولة تكون في أوّلها بدويّة كما قلنا فتكون لذلك قليلة الحاجات لعدم التّرف وعوائده فيكون خرجها وإنفاقها قليلا فيكون في الجباية حينئذ وفاء


[١] سورة يس من الآية الأخيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>