للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما يرونه حينئذ من أنّ غايتها ومصيرها انتهابها من أيديهم وإذا ذهبت آمالهم في اكتسابها وتحصيلها انقبضت أيديهم عن السّعي في ذلك وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرّعايا عن السّعي في الاكتساب فإذا كان الاعتداء كثيرا عامّا في جميع أبواب المعاش كان القعود عن الكسب كذلك لذهابه بالآمال جملة بدخوله من جميع أبوابها وإن كان الاعتداء يسيرا كان الانقباض عن الكسب على نسبته والعمران ووفوره ونفاق أسواقه إنّما هو بالأعمال وسعي النّاس في المصالح والمكاسب ذاهبين وجائين فإذا قعد النّاس عن المعاش وانقبضت أيديهم عن المكاسب كسدت أسواق العمران وانتفضت الأحوال وابذعرّ [١] النّاس في الآفاق من غير تلك الإيالة في طلب الرّزق فيما خرج عن نطاقها فخفّ ساكن القطر وخلت دياره وخرجت أمصاره واختلّ باختلاله حال الدّولة والسّلطان لما أنّها صورة للعمران تفسد بفساد مادّتها ضرورة وانظر في ذلك ما حكاه المسعوديّ في أخبار الفرس عن الموبذان صاحب الدّين عندهم أيّام بهرام بن بهرام وما عرّض به للملك في إنكار ما كان عليه من الظّلم والغفلة عن عائدته على الدّولة بضرب المثال في ذلك على لسان البوم حين سمع الملك أصواتها وسأله عن فهم كلامها فقال له: «إنّ بوما ذكرا يروم نكاح بوم أنثى وإنّها شرطت عليه عشرين قرية من الخراب في أيّام بهرام فقبل شرطها، وقال لها: إن دامت أيّام الملك أقطعتك ألف قرية وهذا أسهل مرام» . فتنبّه الملك من غفلته وخلا بالموبذان وسأله عن مراده فقال له أيّها الملك إنّ الملك لا يتمّ عزّه إلّا بالشّريعة والقيام للَّه بطاعته والتّصرّف تحت أمره ونهيه ولا قوام للشّريعة إلّا بالملك ولا عزّ للملك إلّا بالرّجال ولا قوام للرّجال إلّا بالمال ولا سبيل إلى المال إلّا بالعمارة ولا سبيل للعمارة إلّا بالعدل والعدل الميزان المنصوب بين الخليقة نصبه الرّبّ وجعل له قيّما وهو الملك وأنت أيّها الملك عمدت إلى الضّياع فانتزعتها من أربابها


[١] بمعنى تفرق.

<<  <  ج: ص:  >  >>