للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنفسه عن النّاس للحديث مع أوليائه في خواصّ شئونه لما يكثر حينئذ بحاشيته فيطلب الانفراد من العامّة ما استطاع ويتّخذ الإذن ببابه على من لا يأمنه من أوليائه وأهل دولته ويتّخذ حاجبا له عن النّاس يقيمه ببابه لهذه الوظيفة ثمّ إذا استفحل الملك وجاءت مذاهبه ومنازعة استحالت أخلاق صاحب الدّولة إلى أخلاق الملك وهي أخلاق غريبة مخصوصة يحتاج مباشرها إلى مداراتها ومعاملتها بما يجب لها وربّما جهل تلك الأخلاق منهم بعض من يباشرهم فوقع فيما لا يرضيهم فسخطوا وصاروا إلى حالة الانتقام منه فانفرد بمعرفة هذه الآداب الخواصّ من أوليائهم وحجبوا غير أولئك الخاصّة عن لقائهم في كلّ وقت حفظا على أنفسهم من معاينة ما يسخطهم على النّاس من التّعرّض لعقابهم فصار حجاب آخر أخصّ من الحجاب الأوّل يفضي إليهم منه خواصّهم من الأولياء ويحجب دونه من سواهم من العامّة [١] . والحجاب الثّاني يفضي إلى مجالس الأولياء ويحجب دونه من سواهم من العامّة [١] . والحجاب الأوّل يكون في أوّل الدّولة كما ذكرنا كما حدث لأيّام معاوية وعبد الملك وخلفاء بني أميّة وكان القائم على ذلك الحجاب يسمّى عندهم الحاجب جريا على مذهب الاشتقاق الصّحيح. ثمّ لمّا جاءت دولة بني العبّاس وجدت الدّولة من التّرف والعزّ ما هو معروف وكملت خلق الملك على ما يجب فيها فدعا ذلك إلى الحجاب الثّاني وصار اسم الحاجب أخصّ به وصار بباب الخلفاء داران للعبّاسيّة: دار الخاصّة ودار العامّة كما هو مسطور في أخبارهم. ثمّ حدث في الدّول حجاب ثالث أخصّ من الأوّلين وهو عند محاولة الحجر على صاحب الدّولة وذلك أنّ أهل الدّولة وخواصّ الملك إذا نصبوا الأبناء من


[١] علق الدكتور علي عبد الواحد وافي على هذه العبارة في نسخة لجنة البيان العربيّ» فقال: (هكذا وردت العبارة في جميع النسخ ولا بد أن يكون قد حدث فيها حذف وتكرار والوضع الصحيح للعبارة هو ما يلي «فصار لهم حجاب آخر أخص من الحجاب الأول يفضي إليهم منه خواصّهم من الأولياء، ويحجب دونه من سواهم من الخاصة والعامة، بينما كان الحجاب الأول يفضي إليهم منه الخاصة ويحجب دونه من سواهم من العامة والحجاب الأول يكون في أول الدولة كما ذكرنا ... » ) وقد سهّل هذا السقط وهذه الزيادة وجود كلمة «سواهم» في الجملتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>