للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان كيدهم في لقائهم إياه، وملئوا الشنان بالحجارة وربطوها بأذناب الخيل تنادي بها فتقعقع الحجارة في شنانها، وسرّبت [١] بمصاف العساكر من العرب فنفرت خيولهم واختل مصافهم وانجرب عليهم الهزيمة فافترقوا، وذهب بلج [٢] مع الطلائع من أهل الشام إلى سبتة كما ذكرناه في أخبارهم. ورجع إلى القيروان أهل مصر وإفريقية، وظهرت الخوارج في كل جهة، واقتطع المغرب عن طاعة الخلفاء إلى أن هلك ميسرة، وقام برياسة مضغرة من بعده يحيى بن حارث منهم، وكان خلفا لمحمد بن خزر ومغراوة. ثم كان من بعد ذلك ظهور إدريس بالمغرب، فقدم بها البرابرة وتولى كبرها أوربة منهم كما ذكرناه. وكان على مضغرة يومئذ شيخهم بهلول بن عبد الواحد، فانحرف مالك عن إدريس إلى طاعة هارون الرشيد بمداخله إبراهيم بن الأغلب عامل القيروان، فصالحه إدريس وأنبأه بالسلم.

ثم ركد ريح مضغرة من بعد ذلك وافترق جمعهم، وجرت الدول عليهم أذيالها واندرجوا في عمال البربر الغارمين لهذا العهد بتلول المغرب وصحرائه. فمنهم ما بين فاس وتلمسان أمم يتصلون بكومية ويدخلون حلفهم، واندرجوا من لدن الدعوة الموحدية منهم ورياستهم لولد خليفة. كان شيخهم على عهد الموحدين، وبنى لهم حصنا بمواطنهم على ساحل البحر سمى تاونت. ولما انصرفت دولة بني عبد المؤمن واستولى بنو مرين على المغرب قام هارون بن موسى بن خليفة بدعوة يعقوب بن عبد الحق سلطانهم، وتغلّب على ندرومة، وزحف إليه يغمراسن بن زيان فاسترجع ندرومة من يده، وغلبه على تاونت. ثم زحف يعقوب بن عبد الحق إليهم وأخذها من أيديهم وشحنها بالأقوات، واستعمل هارون ورجع إلى المغرب فحدث هارون نفسه بالاستبداد، فدعا لنفسه معتصما بذلك الحصن خمس سنين.

ثم صاهره يغمراسن واستنزله على صلح سنة اثنتين وسبعين وستمائة. ولحق هارون بيعقوب بن عبد الحق. ثم أجاز إلى الجهاد بإذنه واستشهد هنالك. وقام بأمر مضغرة من بعده أخوه تاشفين إلى أن هلك سنة ثلاث وسبعمائة. واتصلت رياستهم على عقبه لهذا العهد. ومن قبائل مضغرة أمة بجبل قبلة فاس معروف بهم. ومنهم أيضا قبائل كثيرون بنواحي سجلماسة وأكثر أهلها منهم. وربما حدثت بها عصبية من جراهم.


[١] وفي نسخة أخرى: ومرّت.
[٢] هو بلج بن بشر العبسيّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>