للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولي عليهم مدّة ثلاث وسبعين سنة، وأدرك الفتح الإسلامي ومات سنة إحدى وسبعين، وولي عليهم من بعده كسيلة بن لزم [١] الأوربي فكان أميرا على البرانس كلهم، ولما نزل ابن المهاجر تلمسان سنة خمس وخمسين كان كسيلة بن لزم مرتادا بالمغرب الأقصى في جموعه من أوربة وغيرهم، فظفر به أبو المهاجر وعرض عليه الإسلام فأسلم، واستنقذه وأحسن إليه وصحبه.

وقدم عقبة في الولاية الثانية أيام يزيد سنة اثنتين وستين فاضطغن عليه صحابته لأبي المهاجر وتقدّم أبو المهاجر في اصطناعه فلم يقبل وزحف إلى المغرب وعلى مقدّمته زهير ابن قيس البلويّ فدوّخه. ولقيه ملوك البربر ومن انضم إليه من الفرنجة بالزاب وتاهرت فهزمهم واستباحهم، وأذعن له بليان أمير غمارة ولاطفه وهاداه، ودلّه على عورات البرابرة وردأه بوليلة والسوس وما والاهما من مجالات الملثمين فغنم وسبى، وانتهى إلى ساحل البحر وقفل ظافرا.

وكان في غزاتة تلك يستهين كسيلة ويستخفّ به وهو في اعتقاله. وأمره يوما بسلخ شاة بين يديه فدفعها إلى غلمانه، وأراده عقبة على أن يتولّاها بنفسه، وانتهره فقام إليها كسيلة مغضبا وجعل كلما دسّ يده في الشاة مسح بلحيته والعرب يقولون ما هذا يا بربري؟ فيقول: هو أجير [٢] فيقول لهم شيخ منهم: إن البربري يتوعّدكم. وبلغ ذلك أبا المهاجر فنهى عقبة عنه، وقال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يستألف جبابرة العرب، وأنت تعمد إلى رجل جبّار في قومه بدار عزّه قريب عهد بالشرك فتفسد قلبه وأشار عليه بأن يوثق منه. وخوّفه فتكه فتهاون عقبة بقوله.

فلما قفل عن غزاتة وانتهى إلى طبنة صرف العساكر إلى القيروان أفواجا ثقة بما دوّخ من البلاد، وأذلّ من البربر حتى بقي في القليل [٣] ، وسار إلى تهودة أو بادس لينزل بها الحامية. فلما نظر إليه الفرنجة طمعوا فيه وراسلوا كسيلة بن لزم ودلّوه على الفرصة فيه فانتهزها، وراسل بني عمّه ومن تبعهم من البربر، واتبعوا عقبة وأصحابه رضي الله عنه حتى إذا غشوه بتهودة ترحّل القوم وكسروا أجفان سيوفهم، ونزل الصبر واستلحم عقبة وأصحابه رضي الله عنهم ولم يفلت منهم أحد. وكانوا زهاء ثلاثمائة من


[١] وفي النسخة الباريسية: لمرم وفي النسخة التونسية لمزم.
[٢] وفي نسخة ثانية: فيقول: هذا جيد للشعر.
[٣] وفي نسخة ثانية: قليل من الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>