للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كبار الصحابة والتابعين استشهدوا في مصرع واحد، وفيهم أبو المهاجر كان أصحبه في اعتقاله، فأبلى رضي الله عنه في ذلك اليوم البلاء الحسن، وأجداث الصحابة رضي الله عنهم أولئك الشهداء عقبة وأصحابه بمكانهم ذلك من أرض الزاب لهذا العهد.

وقد جعل على قبر عقبة أسنمة ثم جصّص، واتخذ عليه مسجد عرف باسمه وهو في عداد المزارات ومظان البركة، بل هو أشرف مزور من الأجداث في بقاع الأرض لما توفّر فيه من عدد الشهداء من الصحابة والتابعين الذين لا يبلغ أحد مدّ أحدّهم ولا نصيفه، وأسر من الصحابة يومئذ محمد بن أوس [١] الأنصاري ويزيد بن خلف العبسيّ [٢] ونفر معهم ففداهم ابن مصاد صاحب قفصة. وكان زهير بن قيس البلويّ بالقيروان وبلغه الخبر فخرج هاربا وارتحل بالمسلمين ونزل برقة وأقام بها ينتظر المدد من الخلفاء. واجتمع إلى كسيلة جميع أهل المغرب من البربر والفرنجة، وزحف الى القيروان فخرج العرب منها ولحق بزهير بن قيس ولحق بها أصحاب الذراري والأثقال فأمّنهم ودخل القيروان وأقام أميرا على إفريقية ومن بقي بها من العرب خمس سنين وقارن ذلك مهلك يزيد بن معاوية وفتنة الضّحاك بن قيس مع المروانية بمرج راهط وحروب آل الزبير فاضطرب أمر الخلافة بعض الشيء، واضطرم المغرب نارا وفشت الردّة في زناتة والبرانس. ثم استقل عبد الملك بن مروان من بعد ذلك وأذهب بالمشرق آثار الفتنة. وكان زهير بن قيس مقيما ببرقة منذ مهلك عقبة، فبعث إليه بالمدد وولّاه حرب البرابرة والثأر بدم عقبة. فزحف إليها في آلاف من العرب سنة سبع وستين. وجمع كسيلة البرانس وسائل البربر، ولقيه بجيش [٣] من نواحي القيروان واشتدّ القتال بين الفريقين، ثم انهزم البربر وقتل كسيلة ومن لا يحصى منهم وأتبعهم العرب إلى مرماجنّة ثم إلى ملوية وذلّ البربر ولجئوا إلى القلاع والحصون وحدّت شوكة أوربة من بينهم واستقرّ جمهورهم بديار المغرب الأقصى فلم يكن بعدها لهم ذكر.

واستولوا على مدينة وليلى بالمغرب كانت ما بين موضع فاس ومكناسة بجانب جبل زرهون وأقاموا على ذلك، والجيوش من القيروان تدوّخ المغرب مرّة بعد أخرى إلى أن خرج محمد بن عبد الله ابن حسن بن الحسن بن علي أيام المنصور وقتل بالمدينة سنة


[١] وفي نسخة أخرى: أويس، وعند ابن الأثير أوس (ج ٤ ص ١٠٨) .
[٢] وفي نسخة أخرى: القيسي.
[٣] وفي النسخة التونسية ممس (وممس اسم بلد) وفي الكامل ج ٤ ص ١٠٨ ممش.

<<  <  ج: ص:  >  >>