للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما انقرض أمرهم واضمحلّت دولتهم ونشأت الفتنة بالأندلس بين البرابرة وأهلها، فكان زاوي كبش تلك الوقائع ومحش [١] حروبها. وتمرّس بقرطبة هو وقومه صنهاجة وكافة زناتة والبربر حتى أثبتوا قدم خليفتهم المستعين سليمان بن الحكم بن سليمان بن الناصر الّذي أتوه ببيعتهم، وأعطوه على الطاعة صفقتهم كما ذكرناه في أخبارهم. ثم اقتحموا به قرطبة عنوة واصطلموا عامّة أهلها وأنزلوا المعرات بذوي الصون منها وبيوتات الستر من خواصّها، فحدث الناس في ذلك بأخبارها وتوصّل زاوي عند استباحة قرطبة إلى رأس أبيه زيري بن مناد المتصور بجدران قصر قرطبة فأزاله وأصاره إلى قومه ليدفن في جدثه. ثم كان شأن بني حمّود من العلوية، وافترق أمر البرابرة واضطرمت الأندلس نارا، وامتلأت جوانبها فتنة، وأسرى الرؤساء من البرابرة ورجالات الدولة على النواحي والأمصار فملكوها، وتحيّزت صنهاجة إلى ناحية ألبيرة فكانت ضواحيها وحصل عليها استيلاؤهم، وزاوي يومئذ عضد البرابرة فنزل غرناطة واتخذها دارا لملكته ومعتصما لقومه.

ثم وقع في نفسه سوء أثر البربر بالأندلس أيام الفتنة، وحذر مغبّة الفعلة واستعاضت الدولة، فاعتزم على الرحلة وآوى إلى سلطان قومه بالقيروان سنة عشر وأربعمائة بعد مغيبه عشرين سنة، وأنزل على المعزّ بن باديس حافد أخيه بلكّين أجلّ ما كانت دولتهم بأمر إفريقية، وأترف وأوسع ملكا وأوفر عددا، فلقيه المعز بأحسن أحوال البرّ والتجلّة، وأنزله أرفع المنازل من الدولة وقدّمه على الأعمام والقرابة وأسكنه بقصره، وأبرز الحرم للقائه، فيقال: إنه لقيه من ذوات محارمه ألف امرأة لا تحلّ له واحدة منهنّ، ووارى إبراهيم مع شلوه بجدثه. وكان استخلف على عمله ابنه ونّا فظعن لأهل غرناطة فانتقضوا عليه، وبعثوا عن حبّوس ابن عمّه ماكسن بن زيري مكانه ببعض حصون عمله، فبادر إليهم، ونزل بغرناطة، فانتقضوا عليه وبايعوه، واستحدث بها ملكا، وكان من أعظم ملوك الطوائف بالأندلس إلى أن هلك سنة تسع وعشرين وأربعمائة وولي من بعده ابنه باديس بن حبّوس ويلقّب بالمظفّر، ولم يزل مقيما لدعوة آل حمّو أمراء مالقة بعد تخلّفهم عن قرطبة سائر أيامه، وزحف إليها العامري صاحب المرية سنة تسع وعشرين وأربعمائة فلقيه باديس بظاهر غرناطة فهزمه وقتله وطالت


[١] حشّ الحرب أي هيّجها (القاموس) .

<<  <  ج: ص:  >  >>