للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منصرفهم بالقيروان شيخ المذهب المالكي أبو عمران الفاسي، واغتنموا ما متعوا به.

من هديه وما شافههم به من فروض أعيانهم من فتاويه.

وسأله الأمير يحيى أن يصحبهم من تلميذه من يرجعون إليه في نوازلهم وقضايا دينهم، فندب تلميذه إلى ذلك حرصا على إيصال الخير إليهم لما رأى من رغبتهم فيه. فاستوعروا مسغبة بلادهم. وكتب لهم الفقيه أبو عمران إلى الفقيه محمد وكاك ابن زلوا اللمطي بسلجماسة من الآخذين عنه، وعهد إليه أن يلتمس لهم من يثق بدينه وفقهه، ويروّض نفسه على مسغبة أرضهم في معاشه، فبعث معهم عبد الله بن ياسين بن مكو الجزولي، ووصل معهم يعلّمهم القرآن ويقيم لهم الدين. ثم هلك يحيى ابن إبراهيم وافترق أمرهم، واطرحوا عبد الله بن ياسين، واستصعبوا عمله وتركوا الأخذ عنه لما تجشّموا فيه من مشاق التكليف، فأعرض عنهم وترهّب وتنسّك معه يحيى بن عمر بن تلاكاكين من رؤساء لمتونة، وأخوه أبو بكر، فنبذوا عن الناس في ربوة يحيط بحر النيل من جهاتها ضحضاحا في المصيف وغمرا في الشتاء، فتعود جزرا منقطعة. فدخلوا في غياضها منفردين للعبادة، وتسامع بهم من في قلبه مثقال حبة من خير، فتسايلوا إليهم ودخلوا في دينهم وغيضتهم.

ولما كمل معهم ألف من الرجالات، قال لهم شيخهم عبد الله بن ياسين: إن ألفا لن تغلب من قلّة، وقد تعيّن علينا القيام بالحق والدعاء إليه وحمل الكافة عليه، فأخرجوا بنا لذلك، فخرجوا وقتلوا من استعصى عليهم من قبائل لمتونة وكدالة [١] ومهمومة حتى أنابوا الى الحق واستقاموا على الطريقة، وأذن لهم في أخذ الصدقات من أموال المسلمين، وسمّاهم بالمرابطين، وجعل أمرهم في العرب إلى الأمير يحيى بن عمر، فتخطّوا الرمال الصحراوية إلى بلاد درعة وسجلماسة فأعطوهم صدقاتهم وانقلبوا. ثم كتب إليهم وكاك اللمطي بما نال المسلمين فيما إليه من العسف والجور من بني وانودين أمراء سجلماسة من مغراوة، وحرّضهم على تغيير أمرهم، فخرجوا من الصحراء سنة خمس وأربعين وأربعمائة في عدد ضخم ركبانا على المهارى أكثرهم، وعمدوا إلى درعة. لا بل كانت هنالك بالحمى وكانت تناهز خمسين ألفا ونحوها.

ونهض إليهم مسعود بن وانودين أمير مغراوة وصاحب سجلماسة ودرعة لمدافعتهم عنها


[١] هم من القبائل الملثمين/ قبائل المغرب ص ٣٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>