للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى اجتمع إليهم من ذلك أمم كان فيهم رياح ورغب والشريد وعوف ودباب ونغات. واحتلفوا في الاحتشاد وأجمعوا دخول إفريقية، فبادرهم أبو محمد قبل وصولهم إليه. وخرج من تونس سنة ست وستمائة وأغذّ السير إليهم، وتزاحفوا عند جبل نفوسة، واشتدت الحرب، ولما حمي الوطيس ضرب أبو محمد أبنيته وفسطاطه، وتحيّزا إليه بعض الفرق من بني عوف بن سليم واختلّ مصاف ابن غانية واتبعه الموحّدون إلى أن دخل في غيابات الليل وامتلأت أيديهم بالأسرى والغنائم، وسيقت ظعائن العرب. وقد كانوا قدّموها بين أيديهم للحفيظة أفذاذا في الكرّ والفرّ، فأصبحت مغنما للموحّدين وربات خدورها سبيا.

وهلك في المعركة خلق من الملثّمين وزناتة والعرب، وكان فيهم عبد الله بن محمد بن مسعود البليط بن سلطان شيخ الزواودة، وابن عمه حركات بن الشيخ بن عساكر ابن السلطان [١] وشيخ بني قرّة وجرار بن ويفرن كبير مغزاوة ومحمد بن الغازي بن غانية في آخرين من أمثالهم. وانصرف ابن غانية مهيض الجناح مفلول الحدّ عفوفا باليأس من جميع جهاته، وانقلب أبو محمد والموحّدون أعزّة ظاهرين، واستفحل أمر أبي محمد بإفريقية وحسم علل الفساد واستوفى جبايتها وطالت مواقف حروبه، ولم تهزم له راية. وهلك الناصر وولي ابنه يوسف المستنصر واستبدّ عليه المشيخة لمكان صغره، وشغلوا بفتنة بني مرين وظهورهم بالمغرب، فاستكفى بالشيخ أبي محمد في إفريقية وعوّل على غنائه فيها، وضبطه لأحوالها وقيامه بملكها فأبقاه على أعمالها، وسرّب إليه الأموال لنفقاتها وأعطياتها، ولم يزل بها إلى أن هلك سنة ثمان عشرة وستمائة والله أعلم.

[(الخبر عن مهلك الشيخ أبي محمد بن الشيخ أبي حفص وولاية عبد الرحمن ابنه)]

كانت وفاة الشيخ أبي محمد فاتح سنة ثمان عشرة وستمائة ولما هلك ارتاع الناس لمهلكه، وافترق أمر الموحّدين في الشورى فريقين بين عبد الرحمن بن الشيخ أبي


[١] وفي نسخة أخرى: حركات بن أبي شيخ بن عساكر بن سلطان.

<<  <  ج: ص:  >  >>