للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحسن إيثار السلطان للفازازي عليهم فنكب عنه، ولحق بالأمير أبي زكريا بتلمسان واستحثّه لطلب ملكه. واستقرض من تجّار بجاية مالا أنفقه في إقامة أبّهة الملك له، وجمع الرجال واصطنع الأولياء.

وفشا الخبر بما يرومه من ذلك، فصدّه عثمان بن يغمراسن عنه بما كان تقلّد من طاعة السلطان أبي حفص على سننهم من الخلفاء بالحضرة قبله، فاعتزم الأمير أبو زكريا على شأنه، وخرج من تلمسان مورّيا بالصيد الّذي كان ينتحله أيام قيامه بينهم، ولحق بداود بن هلال بن عطاف أمير بني يعقوب، وكافة بني عامر من زغبة، أوعز عثمان بن يغمراسن إلى داود بردّه إليه فأبي من إخفار ذمّته، وارتحل معه بقومه إلى آخر بلاد زغبة، ونزلوا على عطية بن سليمان بن سباع من رؤساء الزواودة، فتلقّاه بالطاعة وارتحلوا جميعا إلى ضواحي قسنطينة فدخل العرب سدويكش في طاعته.

ونزل البلد سنة ثلاث وثمانين وستمائة وعاملها يومئذ أبو نوفيان [١] من مشيخة الموحّدين، وكان صاحب بجاية بها أبو الحسن بن طفيل. كان له من العامل صهر فداخل الأمير أبا زكريا في شأن البلد، وشرط لنفسه وصهره فأمضى السلطان شرطهم وأمكنوه من البلد. وأقاموا بها دعوته، وارتحل إلى بجاية وكان قد حدث فيها اضطراب بين أهلها أدّى إلى الخلاف والتباين، واستحثوا الأمير أبا زكريا فأغذّ السير إليهم ودخلها سنة أربع وثمانين وستمائة ويقال إنّ ملكه ببجاية كان سابقا على ملكه بقسنطينة وهو الأصح فيما سمعناه من شيوخنا. وبعث إليهم أهل الجزائر بطاعتهم فاستولى على هذه الثغور القريبة [٢] ، وتلقّب المنتخب لإحياء دين الله. وأغفل ذكر أمير المؤمنين أدبا مع عمّه الخليفة بالحضرة، حيث مالأ الموحّدين أهل الحلّ والعقد من الجماعة. ونصب للحجابة أبا الحسين بن سيّد الناس فقام بها، ورسخ ملكه وملك بنيه بهذه الناحية الغربية، وانقسمت به الدولة إلى أن خلص الأمر للملوك من عقبه واستولوا على الحضرة كما نذكره إن شاء الله تعالى والله ولي التوفيق.


[١] وفي نسخة أخرى: ابن يوقيان وقد مرّ معنا من قبل.
[٢] وفي نسخة أخرى: الغربية.

<<  <  ج: ص:  >  >>