للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسرّح لوقته محمد بن الحكيم من صنائعه وقوّاد دولته في طائفة من العسكر والنصارى، فصبحوه في الحيّ وأحاطوا ببيت نزله فامتنع من الإلقاء باليد، ودافع عن نفسه مستميتا فقتلوه قعصا [١] بالرماح، وجاءوا بشلوه إلى الحضرة فدفن بها.

ونزل عبد الحق بن عثمان على أبي تاشفين حين نزل، ورغّبه فيما كان بسبيله من مطالبة الدولة الحفصيّة وتدويخ ممالكها، ووفد على أثر، حمزة بن عمر ورجالات سليم صريحا على عادتهم. فأجاب أبو تاشفين صريخهم ونصب لهم محمد بن أبي عمران وكان من خبره أنه تركه السلطان اللحياني عاملا على طرابلس. فلما انهزم أبو ضربة وانحلّ أمره استقدمه العرب وأجلبوا به على الحضرة سنة إحدى وعشرين وسبعمائة فملكها ستة أشهر. ثم أجفل عنها عند رجوع السلطان إليها، ولحق بطرابلس إلى أن انتقض عليه أهلها سنة أربع وعشرين وسبعمائة وثاروا به وأخرجوه فلحق بالعرب وأجلبوا به على السلطان مرارا ينهزمون عنه في كلها.

ثم لحق بتلمسان واستقرّ بها عند أبي تاشفين في خير جوار وكرامة وجراية إلى أن وصل هذا الوفد إليه سنة تسع وعشرين وسبعمائة فنصبه للأمر بإفريقية. وأمدّهم بالعساكر من زناتة. عقد عليهم ليحيى بن موسى من بطانته وصنائع أبيه. ورجع معهم عبد الحق بن عثمان بمن في جملته من بنيه وعشيرته ومواليه وحاشيته. وكانوا أحلاس حرب وفتيان كريهة، فنهضوا جميعا إلى تونس فزحف السلطان للقائهم وتراءى الجمعان بالرياس من نواحي هوّارة آخر سنة تسع وعشرين [٢] وسبعمائة، فدارت الحرب واختل مصاف السلطان، وفلّت جموعه. وأحيط به فأفلت بعد عصب الريق، وأصابته في حومة الحرب جراحة وهن لها، وقتل كثير من بطانته وحاشيته، كان من أشهرهم محمد المديوني. وانتهب المعسكر وتقبّض على أحمد وعمر ابني السلطان فاحتملا إلى تونس [٣] حتى أطلقهما أبو تاشفين بعد ذلك في مراسلة وقعت بينه وبين السلطان فاتحه فيها أبو تاشفين، وجنح إلى السلم وأطلق الابنين ولم يتمّ شأن الصلح من بعد ذلك. وتقدّم ابن أبي عمران بعد الواقعة إلى تونس فدخلها في صفر سنة ثلاثين وسبعمائة واستبدّ عليه يحيى بن موسى قائد بني عبد الواد، وحجب التصرّف


[١] قوصا: أي قتله في مكانه، أجهز عليه.
[٢] وفي نسخة أخرى: سبع وعشرين.
[٣] وفي نسخة أخرى: تلمسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>