للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كنفه. وكان الحجاب للدولة من بعد أبيه مثل ابن أبي حيّ والرخامي صنائع لأبيه فكانوا يعرفون حقه ويؤثرونه على أنفسهم في التجلّة. ولم يدرأ في سنّ الرجولية والسعي في المجد إلا أيام ابن عمر آخرهم، فكان له منه مكان حتى إذا ارتحل السلطان أبو يحيى إلى قسنطينة لطلب تونس، وجهّز له ابن عمر الآلات والعساكر، وأقام له الحجّاب والوزراء والقوّاد، كان فيمن سرّح معه محمد بن سيد الناس قائدا على عسكر من عساكره. وكان سفيرا للسلطان فكانت له عنده أثره واختصاص، وعقد له من بعد مهلك ابن عمر على بجاية لما عزل عنها ابن القالون كما قدّمناه، فاستبدّ بها على السلطان وحماها دون عساكر زناتة، ودفع في صدورهم عنها وكان له في ذلك كلّه مقامات مذكورة. وكانت بينه وبين قائد زناتة موسى بن علي بن زبون مداخلة [١] كل واحد منهما في مكان صاحبه على سلطانه، وفطن لأمرهما. فأما أبو تاشفين فنكب موسى بن علي كما نذكره في أخباره، وأما السلطان أبو بكر فأغضى لابن سيّد الناس عنها. ثم استدعاه وقلّده حجابته سنة سبع وعشرين وسبعمائة كما قدّمناه، واستخلف على مكانه ببجاية صنيعته محمد بن فرحون وأحمد بن مزيد للقيام بما كان يتولاه من مدافعة العدوّ وكفالة الأمير أبي زكريا ابن السلطان. وقدم هو على السلطان وأسكنه بقصور ملكه، وفوّض إليه أمور سلطانه، تفويض الاستقلال، فجرى في طلق الاستبداد عليه وأرخى له السلطان حبل الإمهال واعتدّ عليه فلتات الدالة على ما كانت الظنون ترجم فيه بالمداهنة في شأن العدوّ والزبون على مولاه باستغلاظهم. وأمهله السلطان لمكانه من حماية ثغر بجاية والاشتغال [٢] به دونه، حتى إذا تجلّت غمامتهم، وأطلّ أبو الحسن عليهم من مرقبه ونهض السلطان أبو بكر إلى بجاية وخرّب تيمرزدكت، فأغراه البطانة حينئذ بالحاجب محمد بن سيّد الناس، وتنبه له السلطان فأحفظ له استبداده وتقبّض عليه مرجعه من هذه الحركة في ربيع سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة واعتقله. ثم امتحنه بأنواع العذاب لاستخراج المال منه فلم ينبس بقطرة، وما زال يستغيث ويتوسّل بسوابقه من الرضاع والمربى، وسوابق أبيه عند سلفه حتى لدغه العذاب فأفحش، ونال من السلطان وأقذع فقتل


[١] وفي نسخة أخرى: وكانت بينه وبين قائد زناتة موسى بن علي مداخلة في زبون.
[٢] وفي نسخة أخرى: من حماية الثغر ببجاية والاستقلال به دونه

<<  <  ج: ص:  >  >>