للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مولاه في مطارح اغترابه وأيام تمحيصه، وربّما لقي عند الورود على قسنطينة من المحنة والاعتقال الطويل ما أعاضه الله عنه بجميل السرور [١] ، وعود العز والملك إلى مولاه على أحسن الأحوال. فظفر من ذلك بالبغية وحصل من الرتبة على الأمنية. وكان السلطان يثق بنظره في العسكر ويبعثه في مقدّمة الحروب، وكان عند استيلائه على بجاية وصرف العناية إليها ولّاه أمر قسنطينة وأنزله بها، وأنزل معه ابنه الأمير أبا إسحاق وجعل إليه كفالته لصغره ثم استنفره بالعساكر عند النهوض إلى إفريقية فنهض في جملته وشهد معه الفتح. ثم رجّعه إلى عمله بقسنطينة بمزيد التفويض والاستقلال، فلم يزل قائما بما دفع إليه من ذلك إلى أن هلك.

وكان السلطان قد أوفد ابنه أبا إسحاق على ملك بن مقرب [٢] والسلطان عبد العزيز عند ما استولى على تلمسان مهنئا بالظفر ملفحا غراس الودّ وأنفذ معه شيخ الموحّدين ساسة أبا إسحاق بن أبي هلال، وقد مرّ من قبل ذكر أخيه فتلقّاهما ملك بن مقرب بوجوه المبرّة والاحتفاء، ورجّعهما بالحديث الجميل عنه سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة.

ونزل الأمير أبو إسحاق بقسنطينة دار إمارته وعقد له السلطان عليها وألقاب الملك ورسومه مصروفة إليه. والقائد بشير مولى أبيه مستبدّ عليه لمكان صغره إلى أن هلك بشير ثمان وسبعين وسبعمائة عند ما استكمل الأمير أبو إسحاق الحال واستجمع الإمارة فجدّد له السلطان عهده عليها وفوّض إليه في إمارتها فقام بما دفع إليه من ذلك أحسن قيام وأحواله تصدق الظنون وتومي إليه وشهادة المخايل التي دلّت عليه، فاستقل هذان الأميران بعهد بجاية وقسنطينة وأعمالها مفوّضا إليهما الإمارة مأذونا لهما في اتخاذ الآلة وإقامة الرسوم الملوكية والشارة. وكان الأمير أبو يحيى زكريا الأخ الكريم مستقلا أيضا ببونة وعملها منذ استيلائه عليها سنة [٣] قد أضافها السلطان وأصارها في سهمانه، فلما ارتحلوا إلى إفريقية عام الفتح وتيقن الأخ أبو يحيى طول مغيبه واغتباط السلطان أخيه لكونه معه، عقد عليها لابنه الأمير أبي عبد الله محمد وأنزله بقصره منها، فوّض إليه في إمارته لما استجمع من خلال التشريع والذكر الصالح في


[١] وفي نسخة ثانية: التنويه.
[٢] وفي نسخة ثانية: ملك المغرب السلطان عبد العزيز.
[٣] بياض بالأصل ولم نستطع تحديد السنة في المراجع التي بين أيدينا.

<<  <  ج: ص:  >  >>