للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأشراف الوطن. وسعى به إلى شيخ الموحّدين وقائد العسكر أيام السلطان أبي حفص محمد الفازاري فنكبه وصادره على مال امتحنه عليه. كانت أوّل نكباته التي أورت من زناده وأوقدت من جمرة، وتخلّص إلى الحضرة يؤمّل اعتقال مطيته وثبوت مركزه من دار الخلافة فأوطنها أياما يباكر أبواب الوزراء والخاصّة، ويلثم أطراف الأولياء والحاشية وينزل كرائم ماله فيما يزلفه لديهم، ويؤثره بعنايتهم حتى استعمل بديوان البحر مقعد العمّال بمرفإ السفن لجباية الأعشار من تجّار دار الحرب. ثم استضاف بما كان من عنائه فيها واضطلاعه سائر أعمال الحضرة فتقلّدها زعيما بإمضاء الجرايات وإدرار الجباية. واستمرّت على ذلك حاله وتضاعفت فائدته فأثرى واحتجن المال، واستخرج الذخيرة قاطعا لألسنة السعاية بالمصانعة والإتحاف بطرف ما يجلبه الروم من بضائعهم حتى أبطره الغنى، ودلّت على مكانته الثورة، ورفع أمره إلى الحاجب فخرج التوقيع بالقبض عليه واستصفاء ماله لعهد السلطان أبي يحيى اللحياني فنكب الثانية وصودر على مئين [١] . من آلاف الدنانير وامتحن لها، وباع فيها كسوته حين قرأ الكتاب وخلص من النكبة مسلوب [٢] الأمانة ممزّق الأديم فقيد الرياش، أحوج ما كان إلى ما يعوز من الكن والدفء وبلالة العيش. ولحق ببلده ناجيا بالرمق ضارعا للدهر.

ودفعه الملأ إلى ما يستنكفون عنه من خدمة العمّال ومباكرة أبوابهم والامتحان في ضروراتهم، وأنجده في ذلك بخت جذب بضبعه. وكان في خلال ذلك شغل الحضرة شأن الثغور الغربية وأمرائها فتقلّص ظلّ الدولة عن هؤلاء بعض الشيء وحملت الرعايا بالبلاد الجريدية، وصار أمرها إلى الشورى التي كانت عليها قبل. فلما أدرك أحمد هذه الشورى التي كان يسمو لها سموّ حباب الماء ثلج صدره، وأنجح سعيه، واستبدّ بمشيخة توزر. وهلك في أعوام ثماني عشرة فخلفه من بعده في سبيله تلك ولده يحيى طموحا إلى المرتبة منافسا في الاستقلال، ومزاحما بيوتات المصر بمناكب استوطأها [٣] بسائر عمره من الدعّار والأوغاد بمعاقرة الخمر والمجاراة في فنون


[١] وفي نسخة ثانية: مئتين.
[٢] وفي نسخة ثانية: مثلوب. ثلبه: عابه ولامه، اغتابه، سبه طرده (قاموس) .
[٣] وفي نسخة ثانية: استوصلها سائر عمره.

<<  <  ج: ص:  >  >>