للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاصية من عمله. وكان راشد بن محمد بن ثابت بن منديل قد جاء من بلاد زواوة أثناء هذه الغمرة، فاحتل بوطن شلف واجتمع إليه أوشاب قومه، وحين تجلت الغمرة عن السلطان أبي حمو نهض إليه بعد أن استعمل ابنه أبا تاشفين على تلمسان، وجمع له الجموع ففرّ أمامه ناجيا إلى مثوى اغترابه ببجاية. وأقام بنو سعيد بمعاقلهم من جبال شلف على دعوته، فاحتل السلطان أبو حمو بوادي تمل [١] فخيم به. وجمع أهل أعماله لحصار بني أبي سعيد شيعة راشد بن محمد، واتخذ هنالك قصره المعروف باسمه. وسرّح العساكر لتدويخ القاصية ولحق به هنالك الحاجب ابن أبي [٢] حين مرجعه من الحج سنة إحدى عشرة وسبعمائة، فأغراه بملك بجاية ورغبه فيه. وكان قد ثاب له طمع منذ رسالة السلطان مولانا أبي يحيى إليه.

وذلك أنه لما انتقض على أخيه خالد ودعا لنفسه بقسنطينة، ونهض إلى بجاية فانهزم عنها كما قدمنا في أخباره. وأوفد على السلطان أبي حمو بعض رجال دولته مغريا له بابن خلوف وبجاية ثم بعث إليه ابن خلوف أيضا يسأله المظاهرة والمدد فأطمعه ذلك في ملك بجاية.

(ولما هلك) ابن خلوف كما قدّمناه، لحق به كاتبه عبد الله بن هلال، فأغراه واستحثّه، وشغله عن ذلك شأن الجزائر. فلما استولى على الجزائر، بعث مولاه مسامحا في عسكر مع ابن أبي حي، فبلغوا إلى جبل الزاب وهلك ابن أبي حي ورجع مسامح. ثم شغله عن شأنها زحف، وفرغ من أمر عدوّه، ونزل بلد شلف كما ذكرناه آنفا ولحق به عثمان بن سباع بن يحيى بن سبّاع بن سهل أمير الزواودة، يستحثّه لملك الثغور الغربية من عمل الموحّدين، فاهتز لذلك وجمع له الجموع، وعقد لمسعود ابن عمه أبي عامر برهوم على عسكر وأمره بحصار بجاية، وعقد لمحمد ابن عمّه يوسف قائد مليانة على عسكر، ولمولاه مسامح على عسكر آخر، وسرّحهم إلى بجاية وما وراءها لتدويخ البلاد. وعقد لموسى بن عليّ الكردي على عسكر ضخم، وسرّحه مع العرب من الزواودة وزغبة على طريق الصحراء. فانطلقوا إلى وجههم ذلك، وفعلوا الأفاعيل كلّ فيما يليه وتوغّلوا في البلاد الشرقية، حتى انتهوا إلى بلاد بونة. ثم انقلبوا من هنالك ومرّوا في طريقهم بقسنطينة، ونازلوها أياما.


[١] وفي نسخة ثانية: نهل.
[٢] بياض بالأصل ولم نستطع معرفة الاسم الكامل لهذا الحاجب في المراجع التي بين أيدينا.

<<  <  ج: ص:  >  >>