للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى ما وراء تخومهم.

وفي خلال ذلك انتقض أبو عليّ ابن السلطان أبي سعيد على أخيه، وصمد من مقرّه بسجلماسة إلى درعة، وفتك بالعامل وأقام فيها دعوته كما نذكر ذلك بعد. وطار الخبر إلى السلطان أبي الحسن بمحلّته بتاسالت، فنهض [١] راجعا إلى المغرب لحسم دائه، وراجع السلطان أبو تاشفين عزّه وانبسطت عساكره في ضواحي عمله، وكتب الكتائب وبعث بها مددا للسلطان أبي عليّ. ثم استنفر قبائل زناتة وزحف إلى تخوم المغرب سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة ليأخذ بحجزة السلطان أبي الحسن عن أخيه، وانتهى إلى الثغر من تاوريرت ولقيه هناك تاشفين ابن السلطان أبي الحسن في كتيبة جهّزها أبوه معه هنالك لسدّ الثغور، ومعه منديل بن حمامة شيخ بني تيريفين من بني مرين في قومه. فلما برزوا إليه انكشف ورجع إلى تلمسان. ولمّا تغلّب السلطان أبو الحسن على أخيه وقتله سنة أربع وثلاثين وسبعمائة جمع لغزو تلمسان وحصارها ونهض إليها سنة خمس وثلاثين وسبعمائة وقد استنفذ وسعه في الاحتفال لذلك واضطربت بها عساكره وضرب عليها سياج الأسوار وسرادقات الحفائر أطيفت [٢] عليهم، حتى لا يكاد الطيف يخلص منهم ولا إليهم. وسرّح كتائبه إلى القاصية من كل جهة، فتغلّب على الضواحي وافتتح الأمصار جميعا، وخرّب وجدة كما يأتي ذكر ذلك كله. وألحّ عليها بالقتال يغاديها ويراوحها، ونصب المجانيق وانحجز بها مع السلطان أبي تاشفين زعماء زناتة من بني توجين وبني عبد الواد وكان عليهم في بعض أيامها اليوم المشهور الّذي استلحمت فيه أبطالهم وهلك أمراؤهم. وذلك أنّ السلطان أبا الحسن كان يباكرهم في الأسحار فيطوف من وراء أسواره التي ضربها عليهم شوطا يرتّب المقاتلة ويثقف الأطراف ويسدّ الفروج ويصلح الخلل، وأبو تاشفين يبعث العيون في ارتصاد فرصه فيه، وأطاف في بعض الأيام منتبذا عن الجملة فكمنوا له حتى إذا سلك ما بين الجبل والبلد انقضوا عليه يحسبونها فرصة قد وجدوها، وضايقوه حتى كاد السرعان من الناس أن يصلوا إليه، وأحس أهل المعسكر بذلك فركبوا زرافات ووحدانا، وركب ابناه الأميران أبو عبد الرحمن وأبو مالك جناحا عسكره، وعقابا جحافله وتهاوت إليهم صقور بني مرين من كل جوّ، فانكشفت عساكر البلد ورجعوا


[١] وفي نسخة ثانية: فنكص.
[٢] وفي نسخة ثانية: أطبقت.

<<  <  ج: ص:  >  >>