للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها في أخبارهم. وكان بنو عبد الواد قد غلبوهم على أوطانهم حتى قتل راشد بن محمد في جلائه أمامهم بين زواوة. ولما اجتمعوا بعد نكبة القيروان على أميرهم علي بن راشد وجاءوه من إفريقية إلى أوطانهم مع بني عبد الواد، ولم يطيعوهم حينئذ أن يغلبوهم رجعوا حينئذ إلى توثيق العهد وتأكيد العقد [١] فأبرموه وقاموا على الموادعة والتظاهر على عدوهم، وعروق الفتنة تنبسط من كل منهم [٢] . ولما جاء الناصر من إفريقية وزحف إليه أبو ثابت، قعد عنه علي بن راشد وقومه، فاعتدّها عليهم وأسرّها في نفسه. ثم اجتمع بعد ذلك للقاء السلطان أبي الحسن حتى انهزم ومضى إلى المغرب. فلما رأى أبو ثابت أنه قد كفى عدوّه الأكبر وفرغ إلى عدوّه الأصغر نظر في الانتقاض عليهم. فبينما هو يروم أسباب ذلك إذ بلغه الخبر أنّ بعض رجالات بني كمين [٣] من مغراوة جاء إلى تلمسان فاغتالوه فحمى له أنفه وأجمع لحربهم.

وخرج من تلمسان فاتحة اثنتين وخمسين وسبعمائة وبعث في أحياء زغبة من بني عامر وسويد، فجاءوه بفارسهم وراجلهم وظعائنهم، وزحف إلى مغراوة فخافوا من لقائه، وتحصّنوا بالجبل المطل على تنس، فحاصرهم فيه أياما اتصلت فيها الحروب وتعدّدت الوقائع. ثم ارتحل عنهم فجال في نواحي البلد، ودوّخ أقطارها، وأطاعته مليانة والمرية وبرشك وشرشال. ثم تقدّم بجموعه إلى الجزائر فأحاط بها وفيها فلّ بني مرين وعبد الله بن السلطان أبي الحسن، تركه هناك صغيرا في كفالة علي بن سعيد ابن جانا، فغلبهم على البلد وأشخصهم في البحر إلى المغرب، وأطاعته الثعالبة ومليكش وقبائل حصين. وعقد على الجزائر لسعيد بن موسى بن علي الكردي، ورجع إلى مغراوة فحاصرهم بمعقلهم الأوّل بعد أن انصرفت العرب إلى مشاتيها، فاشتدّ الحصار على مغراوة وأصاب مواشيهم العطش، فانحطت دفعة واحدة من الجبل تطلب المورد فأصابهم الدهش. ونجا ساعتئذ عليّ بن راشد إلى تنس، فأحاط به أبو ثابت أياما. ثم اقتحمها عليه غلابا منتصف شعبان من سنته، فاستعجل المنية وتحامل على نفسه فذبح نفسه، وافترقت مغراوة من بعده وصارت أوزاعا في القبائل


[١] وفي نسخة بولاق المصرية: توثيق العقد وتأكيد العهد.
[٢] وفي نسخة أخرى: تنبض في كل منهم.
[٣] وفي نسخة أخرى: بني كمي.

<<  <  ج: ص:  >  >>