للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها، الطائرة الذكر الباسطة جناحها على العدوتين منذ ثلاث مئات من السنين أو ما يقاربها.

حتى انتثر سلكها بعد المائة الرابعة من الهجرة، وافترقت الجماعة طوائف وفشلت ريح المسلمين وراء البحر بفناء دولة العرب. واعتز البربر بالمغرب واستفحل شأنهم وجاءت دولة المرابطين فجمعت ما كان مفترقا بالمغرب من كلمة الإسلام. وتمسكوا بالسنّة وتشوّقوا إلى الجهاد، واستدعاهم إخوانهم من وراء البحر للمدافعة عنهم، فأجازوا إليهم وأبلوا في جهاد العدوّ أحسن البلاء، وأوقعوا بالطاغية ابن أدفوش يوم الزلّاقة وغيرها. وفتحوا حصونا واسترجعوا أخرى واستنزلوا الثوّار ملوك الطوائف، وجمعوا الكلمة بالعدوتين. وجاء على أثرهم الموحّدون سالكين أحسن مذاهبهم، فكان لهم في الجهاد آثار على الطاغية أيام، منها يوم الأرك ليعقوب بن المنصور وغيره من الأيام، حتى إذا فشلت ريح الموحدين وافترقت كلمتهم وتنازع الأمر سادة بني عبد المؤمن الأمراء بالأندلس، وتحاربوا على الخلافة واستجاشوا بالطاغية وأمكنوه من كثير من حصون المسلمين طعمة على الاستظهار، فخشي أهل الأندلس على أنفسهم وثاروا بالموحدين وأخرجوهم وتولى ذلك ابن هود بمرسية وشرق الأندلس، وعمّ بدعوته سائر أقطارها، وأقام الدعوة فيها للعبّاسيّين، وخاطبهم ببغداد كما ذكرناه في أخبارهم. واستوفينا كلا بما وضعناه في مكانه. ثم انحجز ابن هود على الغريبة [١] لبعدها عنه، وفقده للعصابة المتناولة لها، وأنه لم تكن صنعته في الملك مستحكمة وتكالب الطاغية على الأندلس من كل جهة، وكثر اختلاف المسلمين بينهم. وشغل بنو عبد المؤمن بما دهمهم من المغرب من شأن بني مرين وزناتة. فتلافى محمد بن يوسف بن الأحمر أمر الغربية، وثار بحصنه أرجونة وكان شجاعا قدما ثبتا في الحروب، فتلقّف الكرّة من يد ابن هود خلع الدعوة العبّاسية، ودعا للأمير أبي زكريا بن أبي حفص سنة تسع وعشرين وستمائة فلم يزل في فتنة ابن هود يجاذبه الحبل ويقارعه على عمالات الأندلس واحدة بعد أخرى إلى أن هلك ابن هود سنة خمس وثلاثين وستمائة.

وتكالب العدو خلال ذلك على جزيرة الأندلس من كل جانب ووفر له ابن هود


[١] وفي نسخة ثانية: ثم عجز ابن هود عن الغربية.

<<  <  ج: ص:  >  >>