للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنازلها وأذاقها نكال الحرب. وأقفر نواحيها، وقطع أشجارها وأباد خضراءها وحرق ديارها، ونسف آثارها، وأثخن فيها بالقتل والأسر. وبعث ولده الأمير أبي يعقوب في سريّة من معسكره للغوار على اشبيلية وحصون الواد [١] ، فبالغ في النكاية واكتسح حصن روطة وشلوقة وغليانة والقناطير [٢] . ثم صبح إشبيلية بمقارة فاكتسحها وانفكأ إلى أمير المسلمين، فقفلوا جميعا إلى الجزيرة. وأراح وقسّم في المجاهدين غنائمهم. ثم ندب إلى غزو قرطبة، ورغبهم في عمرانها وثروة مساكنها، وخطب بلادها، فانعطفوا إلى إجابته، وخاطب ابن الأحمر يستنفره. وخرج لأوّل جمادى من الجزيرة، ووافاهم ابن الأحمر بناحية أرشدونة، فأكرم وصوله وشكر حفوفه الى الجهاد وبداره. ونازلوا حصن بني بشير فدخلته عنوة، وقتلت المقاتلة وسبيت النساء، ونفلت الأموال وخرّب الحصن. ثم بثّ السرايا والغارات في البسائط فاكتسحها وامتلأت الأيدي وأثرى العسكر. وتقرّوا المنازل والعمران في طريقهم حتى احتلوا بساحة قرطبة فنازلوها، وانحجرت حامية العدوّ من وراء الأسوار وانبثت بعوث المسلمين وسراياهم في نواحيها، فنسفوا آثارها وخرّبوا عمرانها واكتسحوا قراها وضياعها. وتردّدوا على جهاتها، ودخل حصن بركونة عنوة، ثم أرجونة كذلك، وقدّم بعثا إلى حيانة [٣] قاسمها حظها من الخسف والدمار. وخام الطاغية عن اللقاء وأيقن بخراب عمرانها. وإتلاف بلده. فجنح إلى السلم وخطبه من أمير المسلمين، فدفعه إلى ابن الأحمر وجعل الأمر في ذلك إليه تكرمة لمشهده ووفاء بحقه، وأجابهم ابن الأحمر إليه بعد عرضه على أمير المسلمين والتماس إذنه فيه لما فيه من المصلحة وجنوح أهل الأندلس إليه منذ المدد الطويلة، فانعقد السلم. وقفل أمير المسلمين من غزاته وجعل طريقه على غرناطة احتفاء بالسلطان ابن الأحمر وخرج له عن الغنائم كلّها، فاحتوى عليها. ودخل أمير المسلمين الى الجزيرة في أوّل رجب من عامئذ، فأراح ونظر في ترتيب المسالح على الثغور، وتملّك مالقة كما نذكره.


[١] وفي نسخة ثانية: حصون الوادي.
[٢] وفي نسخة ثانية: القناطير.
[٣] حيانة: لا وجود لحيانة وإنما حيّانية وهي في أرض دمشق والمقصود جيان كما في نسخة أخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>