للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأناخ عليها بعساكره. وضاق النطاق على ابن الأحمر وبدا له سوء المغبّة في شأن مالقة ومداخلة ابن محلى في الغدر بها، وأعمل نظره في الخلاص من ورطتها. ولم ير لها إلّا وليّ عهد السلطان ابنه أبا يوسف، فخاطبه بمكانه من المغرب مستصرخا لرقع هذا الخرق، وجمع كلمة المسلمين على عدوّهم، فأجابه واغتنم المثوبة في مسعاه.

وأجاز لشهر صفر، فوافى أمير المسلمين بمعسكره على مالقة. ورغب منه السلم لابن الأحمر عن شأن مالقة والتجافي له عنها، فأسعف رغبة ابنه لما يؤمّل في ذلك من رضى الله في جهاد عدوّه وإعلاء كلمته. وانعقد السلم وانبسط أمل ابن الأحمر، وتجدّدت عزائم المسلمين، وقفل السلطان إلى الجزيرة وبثّ السرايا في دار الحرب فأوغلوا وأثخنوا. ثم استأنف الغزو بنفسه إلى طليطلة فخرج من الجزيرة غازيا غرّة ربيع الثاني من سنة اثنتين وثمانين وستمائة حتى انتهى إلى قرطبة، فأثخن وغنم وخرّب العمران وافتتح الحصون. ثم ارتحل نحو البرت وخلف معسكره بظاهر بيّاسة [١] وأغذ السير في أرض قفر لليلتين انتهى إلى البرت من نواحي طليطلة [٢] ، فسرّح الخيل في البسائط حتى تقرّى جميع ما فيها. ولم ينته إلى طليطلة لتثاقل الناس بكثرة الغنائم، وأثخن في القتل، وقفل على غير طريقه فأثخن وخرّب وانتهى إلى أبدّة. ووقف بساحتها والعدوّ منحجزون، ثم رجع إلى معسكره بساسة وأراح ثلاثا ينسف آثارها ويقتلع أشجارها. وقفل إلى الجزيرة فاحتلّ بها شهر رجب وقسّم الغنائم ونفل من الخمس. وولّى على الجزيرة حافده عيسى ابن الأمير أبي مالك ابنه، فهلك شهيدا بالمعترك لشهرين من ولايته، وأجاز السلطان غرّة شعبان إلى المغرب، ومعه ابنه أبو زيّان منديل، وأراح بطنجة ثلاثا. وأغذّ السير إلى فاس فاحتل بها آخر شعبان، ولما قضى صيامه ونسكه، ارتحل إلى مراكش لتمهيدها. وتفقّد أحوالها. وقسّم من نظره لنواحي سلا وأزدرد [٣] فأقام برباط الفتح شهرين اثنين، واحتل مراكش فاتح ثلاث وثمانين وستمائة وبلغه مهلك الطاغية ابن أدفونش واجتماع النصرانية على ابنه شانجة الخارج عليه، فتحرّكت إلى الجهاد عزائمه وسرّح الأمير أبا يعقوب وليّ عهده


[١] بياسة: بينها وبين جيّان عشرون ميلا وتطل على النهر الكبير، استولى عليها الروم سنة ٦٣٢ هجرية.
[٢] طليطلة: كانت عاصمة الأندلس قبل دخول طارق بن زياد، وهي مشرفة على ما يليها من الأندلس الى الجنوب، وكانت من أولى المدن التي انتزعت من يد العرب إذ استولى عليها الفونش السادس عام ٤٧٨ هـ وجرّ ذلك الى معركة الزلّاقة.
[٣] وفي نسخة ثانية: أزور.

<<  <  ج: ص:  >  >>