للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمير أبو مالك من السوس إلى حاجة فدوّخ انحاءها. ثم سرّح إليه المدد من مراكش، فأوقعوا بوكنة [١] من برابرة السوس، وقتل منهم ما يناهز أربعين من سرواتهم. وكان فيمن قتل منهم شيخهم حيون [٢] بن إبراهيم. ثم إنّ ابنه أبا عامر ضاق ذرعه بسخط أبيه وإجلابه في الخلاف، فلحق بتلمسان ومعه وزيره ابن عطو فاتح سنة ثمان وثمانين وستمائة فآواهم عثمان بن يغمراسن، ومهّد لهم المكان ولبثوا عنده أياما. ثم عطف السلطان على ابنه رحم لما عطفت ابنته عليه، فرضي عنه وأعاده إلى مكانه، وطالب عثمان بن يغمراسن أن يسلم إليه ابن عطو الناجم في النفاق مع ابنه، فأبى من إضاعة جواره وإخفار ذمّته، وأغلظ له الرسول في القول فسطا به واعتقله، فثارت من السلطان الحفائظ الكامنة، وتحرّكت الإحن القديمة، والنزلات المتوارثة. واعتزم على غزو تلمسان والله أعلم.

[(الخبر عن تجدد الفتنة مع عثمان بن يغمراسن وغزو السلطان مدينة تلمسان ومنازلته إياها)]

كانت الفتنة بين هذين الحيّين قديمة من لدن مجالاتهم بالقفر من حمراء ملويّة إلى صا، إلى فيكيك، ولما انتقلوا إلى التلول وتغلّبوا على الضواحي بالمغرب الأقصى والأوسط، لم تزل فتنتهم متّصلة وأيام حروبهم فيها مذكورة. وكانت دولة الموحدين عند اختلالها والتياثها تستنصر منهم بالتضريب بينهم والفتنة، فتأكدت لذلك أحوالها واتصلت أيامها. وكان بين يغمراسن بن زيّان وأبي يحيى بن عبد الحق فيها وقائع ومشاهد، نقلنا منها بعضا من كل. واستظهر الموحدون بيغمراسن عليه في بعضها.

وكان الغلب أكثر ما يكون لأبي يحيى بن عبد الحق لوفور قبيلة. إلّا أنّ يغمراسن كان يتصدّى لمقاومته في سائر وقائعه. ولما طمس أثر بني عبد المؤمن واستولى يعقوب ابن عبد الحق على ملكهم، وصارت في جملته عساكرهم، وتضاعف عليه، وأسف على ملك يغمراسن ملكه. وجمع له فأوقع به في تلاغ الواقعة المعروفة. ثم أوقع به ثانية وثالثة. ولما استوت قدم يعقوب بن عبد الحق في ملكه، واستكمل فتح


[١] كذا في النسخة الباريسية وفي نسخة أخرى: زكنة.
[٢] كذا في النسخة الباريسية وفي نسخة أخرى: حبون- حبور- حنون.

<<  <  ج: ص:  >  >>