للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المغرب وسائر أمصاره، وكبح يغمراسن عن التطاول إلى مقاومته، وأوهن قواه بفلّ جموعه ومنازلته في داره، ومظاهرة أقتاله من زناتة بني توجين ومغراوة عليه.

فانصرف بعد ذلك إلى الجهاد، فكان له فيه شغل عمّا سواه كما نقلناه في أخباره.

ولما انصرف ارتاب ابن الأحمر بمكان السلطان يعقوب بن عبد الحق من الأندلس، وحذّره على ملكه، وتظاهر مع الطاغية على منعه من الإجازة إلى عدوتهم، ثم خشوا أن لا يستقلوا بمدافعته، فراسلوا يغمراسن في الأخذ بحجزته. وأجابهم إليها وجرّد عزائمه لها، واتصلت أيديهم في التظاهر عليه. ثم فسد ما بين ابن الأحمر والطاغية ولم يكن له بدّ من ولاية يعقوب بن عبد الحق، فتولى [١] بواسطة ابنه يوسف بن يعقوب كما ذكرناه وأطلعوه على خباء يغمراسن في مظاهرتهم، فأغزاه سنة تسع وسبعين وستمائة وهزمه بخرزونة [٢] . ونازلة بتلمسان ووطأ عدوّه من بني توجين بساحته كما ذكرناه. ثم انصرف إلى شأنه من الجهاد، وهلك يغمراسن بن زيّان على تفيئة ذلك سنة إحدى وثمانين وستمائة، وأوصى ابنه عثمان ولي عهده، زعموا أن لا يحدّث نفسه بمقاومة بني مرين ومساماتهم في الغلب، وأن لا يبرز إلى لقائهم بالصحراء، وأن يلوذ منهم بالجدران متى سموا إليه. وألقى إليه، زعموا أنّ بني مرين بعد تغلّبهم على مراكش، وانضياف سلطان الموحدين إلى سلطانهم، ازدادت قوّتهم وتضاعف غلبهم. وقال له زعموا فيما أوصاه. ولا يغرّنك أني رجعت إليهم بعدها، وبرزت إلى لقائهم، فإنّي أنفت أنّ أرجع عن مقاومتهم بعد اعتيادها، وأترك مبارزتهم وقد عرفها الناس. وأنت لا يضرّك العجز عن مبارزتهم والنكول عن لقائهم، فليس لك في ذلك مقام معلوم، ولا عادة سالفة، واجهد جهدك في التغلّب على إفريقية وراءك، فإن فعلت كانت المناهضة. وهذه الوصاة زعموا هي التي حملت عثمان وبنيه من بعده على طلب ملك إفريقية، ومنازلة بجاية وحربهم مع الموحدين. ولمّا هلك يغمراسن ذهب ابنه إلى مسالمة بني مرين، فبعث أخاه محمدا إلى السلطان يعقوب بن عبد الحق، وأجاز البحر إليه بالأندلس. ووافاه بأركش في إجازته الرابعة سنة أربع وثمانين وستمائة فعقد له ما جاء إليه من السلم والمهادنة، ورجّعه إلى أخيه وقومه ممتلئا كرامة وسرورا. وهلك يعقوب بن عبد الحق أثر ذلك سنة خمس وثمانين


[١] وفي نسخة ثانية: فتولاه.
[٢] وفي نسخة ثانية: خرزوزة.

<<  <  ج: ص:  >  >>