للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النواحي وخاطبهم، وهادوه وعقد الرايات، وأثبت في الديوان ومحا وزاد في العطاء ونقص، وكاد أن يستبدّ. ولما قفل السلطان أبو سعيد من غزاته إلى تلمسان سنة أربع عشرة وسبعمائة أقام بتازى وبعث ولديه إلى فاس، فلما استقرّ الأمير أبو عليّ بفاس حدّثته نفسه بالاستبداد على أبيه، وخلعه وراوضه المداخلون له في المكر بالسلطان حتى يتقبّض عليه، فأبي وركب الخلاف وجاهر بالخلعان ودعا لنفسه، فأطاعه الناس لما كان السلطان جعل إليه من أمرهم. وعسكر بساحة البلد الجديد يريد غزو السلطان، فبرز من تازى بعسكره يقدّم رجلا ويؤخر أخرى.

ثم بدا للأمير أبي عليّ في شأن وزيره، وحدّثته نفسه بالتقبّض عليه استرابة به لما كان بلغه من المكاتبة بينه وبين السلطان، فبعث لذلك عمر بن يخلف الفردودي، وتفطّن الوزير لما حاوله من المكر، فتقبّض عليه ونزع إلى السلطان أبي سعيد فتقبّله ورضي عنه. وارتحل إلى لقاء ابنه، ولما تراءى الجمعان بالقرمدة ما بين فاس وتازى، واختل مصاف السلطان وانهزم عسكره وأفلت بعد أن أصابته جراحة في يده وهن لها، ولحق بتازى فليلا جريحا. ولحق به ابنه الأمير أبو الحسن نازعا إليه من جملة أخيه أبي علي بعد المحنة وفاء لحق أبيه، فاستبشر السلطان بالظهور والفتح، وحمد المغبة، وأناخ الأمير أبو علي بعساكره على تازى، وسعى الخواص بين السلطان وابنه في الصلح على أن يخرج له السلطان عن الأمر ويقتصر على تازى وجهاتها، فتمّ ذلك بينهما وانعقد. وشهد الملأ من مشيخة العرب وزناتة وأهل الأمصار، واستحكم عقده وانكفأ الأمير أبو عليّ إلى حضرة فاس مملّكا. وتوافت إليه بيعات الأمصار بالمغرب ووفودهم، واستوسق أمره.

ثم اعتلّ على أثر ذلك واشتدّ وجعه، وصار إلى حال الموت وخشي الناس على أنفسهم تلاشى الأمر بمهلكه، فسايلوا إلى السلطان بتازى، ثم نزع على الأمير أبي عليّ وزيره أبو بكر بن النوار [١] وكاتبه منديل بن محمد الكتاني، وسائر خواصه، ولحقوا بالسلطان وحملوه على تلافي الأمر، فنهض من تازى واجتمع إليه كافة بني مرين والجند. وعسكر على البلد الجديد وأقام محاصرا لها، وابتنى دارا لسكناه وجعل لابنه الأمير أبي الحسن ما كان لأخيه أبي علي من ولاية العهد وتفويض الأمر.


[١] وفي النسخة المصرية: أبو بكر بن النوان.

<<  <  ج: ص:  >  >>