للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسله وأنبيائه لطفا بعباده وتسهيلا لطرق السّعادة لهم. وكانت المساجد الثّلاثة هي أفضل بقاع الأرض حسبما ثبت في الصّحيحين وهي مكّة والمدينة وبيت المقدس. أمّا البيت الحرام الّذي بمكّة فهو بيت إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه. أمره الله ببنائه وأن يؤذن في النّاس بالحجّ إليه فبناه هو وابنه إسماعيل كما نصّه القرآن وقام بما أمره الله فيه وسكن إسماعيل به مع هاجر ومن نزل معهم من جرهم إلى أن قبضهما الله ودفنا بالحجر [١] منه. وبيت المقدس بناه داود وسليمان عليهما السّلام. أمرهما الله ببناء مسجده ونصب هياكله ودفن كثير من الأنبياء من ولد إسحاق عليه السّلام حواليه. والمدينة مهاجر نبيّنا محمّد صلوات الله وسلامه عليه أمره الله تعالى بالهجرة إليها وإقامة دين الإسلام بها فبنى مسجده الحرام بها وكان ملحده الشّريف في تربتها فهذه المساجد الثّلاثة قرّة عين المسلمين ومهوى أفئدتهم وعظمة دينهم وفي الآثار من فضلها ومضاعفة الثّواب في مجاورتها والصّلاة فيها كثير معروف فلنشر إلى شيء من الخبر عن أوّليّة هذه المساجد الثّلاثة وكيف تدرّجت أحوالها إلى أن كمل ظهورها في العالم. فأمّا مكّة فأوّليّتها فيما يقال أنّ آدم صلوات الله عليه بناها قبالة البيت المعمور ثمّ هدمها الطّوفان بعد ذلك وليس فيه خبر صحيح يعوّل عليه. وإنّما اقتبسوه من محمل الآية في قوله «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ من الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ ٢: ١٢٧» ثمّ بعث الله إبراهيم وكان من شأنه وشأن زوجته سارة وغيرتها من هاجر ما هو معروف وأوحى الله إليه أن يترك ابنه إسماعيل وأمّه هاجر بالفلاة فوضعهما في مكان البيت وسار عنهما وكيف جعل الله لهما من اللّطف في نبع ماء زمزم ومرور الرّفقة من جرهم بها حتّى احتملوهما وسكنوا إليهما ونزلوا معهما حوالي زمزم كما عرف في موضعه فاتّخذ إسماعيل بموضع الكعبة بيتا يأوي إليه وأدار عليه سياجا من الرّدم وجعله زربا [٢] لغنمه وجاء إبراهيم صلوات الله عليه مرارا لزيارته من الشّام


[١] الكعبة. وقال ابن الأثير لمن الحجر هو الحائط المستدير إلى جانب الكعبة الغربي.
[٢] زريبة المواشي.

<<  <  ج: ص:  >  >>