للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وظاهره البرتقال صاحب أشبونة، وغرب الأندلس، فجاء معه في قومه. وزحف إليهم لستة أشهر من نزولهم. ولما قرب معسكرهم سرّب إلى طريف جيشا من النصارى أكمنه بها، فدخلوه ليلا على حين غفلة من العسس الّذي أرصد لهم. وأحسّوا بهم آخر ليلتهم، فثاروا بهم من مراصدهم وأدركوا أعقابهم قبل دخول البلد، فقتلوا منهم عددا ولبسوا على السلطان بأنه لم يدخل البلد سواهم حذرا من سطوته. وزحف الطاغية من الغد في جموعه، وعبّى السلطان مواكب المسلمين صفوفا، وتزاحفوا ولما نشب الحرب برز الجيش الكمين من البلد وخالفوهم إلى المعسكر، وعمدوا إلى فسطاط السلطان ودافعهم عنه الناشبة الذين أعدّوا لحراسته فاستلحموهم. ثم دافعهم النساء عن أنفسهنّ فقتلوهنّ وخلصوا إلى خطايا السلطان: عائشة بنت عمه أبي يحيى بن يعقوب، وفاطمة بنت مولانا السلطان أبي يحيى ملك إفريقية، وغيرهما من حظاياه فقتلوهنّ واستلبوهنّ. وانتهبوا سائر الفساطيط وأضرموا المعسكر نارا وأحس المسلمون بما وراءهم في معسكرهم فاختلّ مصافهم وارتدّوا على أعقابهم بعد أن كان ابن السلطان صمم في طائفة من قومه وذويه حتى خالطهم في صفوفهم، فأحاطوا به وتقبّضوا عليه، وولّى السلطان متحيزا إلى فئة المسلمين، واستشهد كثير من الغزاة ووصل الطاغية إلى فسطاط السلطان من المحلّة وأنكر قتل النساء والولدان، ووقف منه لمنتهى أثره، وانكفأ راجعا إلى بلاده، ولحق ابن الأحمر بغرناطة، وخلص السلطان إلى الجزيرة، ثم إلى الجبل. ثم ركب السفين إلى سبتة في ليله ومحّص الله المسلمين وأجزل ثوابهم. وأرجأ لهم الكرّة على عدوّهم.

[(الخبر عن منازلة الطاغية الجزيرة، ثم تغلبه عليها بعد أن غلب على القلعة من ثغور ابن الأحمر)]

لما رجع الطاغية من طريف استأسد على المسلمين بالأندلس، وطمع في التهامهم، وجمع عساكر النصرانية، ونازل قلعة بني سعيد ثغر غرناطة. وعلى مرحلة منها وجمع الآلات والأيدي على حصارها، واشتدّ مخنقها وأصابهم الجهد من العطش، فنزلوا على حكمه سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة وأدال الله الطيب منها بالخبيث، وانصرف إلى بلده. وكان السلطان أبو الحسن لما أجاز إلى سبتة أخذ نفسه بالعودة إلى الجهاد لرجع

<<  <  ج: ص:  >  >>