للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بشأن أبي تاشفين وحصاره ومقتله، وما كان للسلطان في ذلك من سورة التغلّب وآية العزّ وإهانة العدو وشاعت أخبار ذلك في الآفاق. وسما سلطان مالي منسا موسى المتقدّم ذكره في أخبارهم إلى مخاطبته. فأوفد عليه فرانقين من أهل مملكته مع ترجمان من الملثّمين المجاورين لممالكهم من صنهاجة، فوفدوا على السلطان في التهنئة بالغلب والظفر بالعدو، فأكرم وفادتهم وأحسن مثواهم ومنقلبهم. ونزع إلى طريقته في الفخر، فأتحف طرفا من متاع المغرب وماعونه من ذخيرة داره وأسناها، وعيّن رجالا من أهل دولته، كان فيهم كاتب الديوان أبو طالب بن محمد بن أبي مدين ومولاه عنبر الخصيّ. وأوفدهم بها على ملك مالي منسا سليمان بن منسا موسى، لمهلك أبيه قبل مرجع وفده. وأوعز إلى أعراب الفلاة من المعقل بالسير معهم ذاهبين وجائين، فشمّر لذلك علي بن غانم أمير أولاد جار الله من المعقل، وصحبهم في طريقهم امتثالا لأمر السلطان. وتوغّل ذلك الركاب في القفر إلى بلد مالي بعد الجهد وطول المشقة، فأحسن مبرّتهم وأعظم موصلهم وأكرم وفادتهم ومنقلبهم. وعادوا إلى مرسلهم في وفد من كبار مالي يعظّمون سلطانه، ويوجبون حقّه، ويؤدّون طاعته من خضوع مرسلهم وقيامه بحق السلطان واعتماله في مرضاته ما استوصاهم به، فأدّوا رسالتهم وبلغ السلطان أربا من اعتزازه على الملوك وخضوعهم لسلطانه، وقضاء حقّ الشكر للَّه في صنعه.

(الخبر عن اصهار السلطان الى صاحب تونس)

لما هلكت ابنة السلطان أبي يحيى بطريف فيمن هلك من حظايا السلطان أبي الحسن بفساطيطه، بقي في نفسه منها شيء حنينا إلى ما شغفته به من خلالها وعزة سلطانها، وقيامها على بيتها، وظفرها في تصريفها [١] ، والاستمتاع بأصول الترف ولذاذة العيش في عشيرتها، فسما أمله إلى الاعتياض عنها ببعض أخواتها. وأوفد في خطبتها وليّه عريف بن يحيى أمير زغبة، وكاتب الجباية والعساكر بدولته أبا الفضل ابن عبد الله بن أبي مدين، وفقيه الفتوى بمجلسه أبا عبد الله محمد بن سليمان


[١] وفي نسخة ثانية: تصرفاتها. ابن خلدون م ٢٣ ج ٧

<<  <  ج: ص:  >  >>