للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عند ما بلغهم خبر النكبة. وقد كان توافي بقسنطينة ركاب من المغرب في طوائف من الوفود والعساكر، وكان فيهم ابن صغير من أبناء السلطان، عقد له على عسكر من أهل المغرب، وأوعز إليه باللحاق بتونس، وفيهم عمّال المغرب قدموا عند رأس الحول بجبايتهم وحسبانهم، وفيهم أيضا وفد من زعماء النصارى بعثهم الطاغية ابن أدفونش مع تاشفين ابن السلطان لما أطلقه من الأسر بعد ما عقد السلم والمهادنة، وكان أسيرا عندهم من لدن واقعة طريف كما ذكرناه. وكان أصابه مسّ من الجنون.

فلمّا خلصت الولاية بين السلطان والطاغية، وعظم عنه الإتحاف والمهاداة، وبلغه خبر السلطان وتملّكه إفريقية، أطلق ابنه تاشفين وبعث معه هؤلاء الزعماء للتهنئة، وفيهم أيضا وفد من أهل مالي ملوك السودان بالمغرب، أوفدهم ملكهم منسا سليمان للتهنئة بسلطان إفريقية. وكان معهم أيضا يوسف بن مزتي عامل الزاب وأميره، قدم بجباية عمله. واتصل به خبر الركّاب بقسنطينة فلحق بهم مؤثرا صحابتهم إلى سدّة السلطان. وتوافت هؤلاء الوفود جميعا بقسنطينة، واعصوصبوا على ولد السلطان.

فلما وصل خبر النكبة اشرأبّ الغوغاء من أهل البلد إلى الثورة، وتحلّبت شفاههم إلى ما بأيديهم من أموال الجباية وأحوال الثورة، فنقموا عليهم سوء الملكة، ودسّ مشيختهم إلى المولى الفضل ابن مولانا السلطان أبي يحيى بمكانه من بونة، وقد كشف القناع في الانتزاء على عمله والدعاء لنفسه، فخطبوه للأمر، واستحثّوه للقدوم، فأغذّ السير. وتسامع بخبره أولياء السلطان، فخشي ابن مزني على نفسه، وخرج إلى معسكره بحلّة أولاد يعقوب ابن علي أمير الزواودة، ولجأ ابن السلطان وأولياؤه إلى القصبة. ومكر بهم أهل البلد في الدفاع دونهم حتى إذا أطلت رايات المولى الفضل وثبوا بهم، وحجزوهم إلى القصبة وأحاطوا بها حتى استنزلوهم على أمان عقدوه لهم. ولحقوا بحلة يعقوب، فعسكروا بها بعد أن نقض أهل البلاد عهدهم في ذات يدهم، فاستصفوه وأشار عليهم ابن مزني باللحاق ببسكرة لتكون ركابهم إلى السلطان، فارتحلوا جميعا في جوار يعقوب لما له في تلك الضواحي، حتى لحقوا ببسكرة، ونزلوا منها على ابن مزني خير نزل، وكفاهم كل شيء يهمهم على طبقاتهم ومقاماتهم، وعناية السلطان بمن كان وافدا منهم، حتى سار بهم يعقوب بن علي إلى السلطان وأوفدهم عليه في رجب من سنته. واتصل الخبر بأهل بجاية بالفعلة التي فعل أهل قسنطينة، فساجلوهم في الثورة. وكنسوا منازل أولياء السلطان وعمّاله،

<<  <  ج: ص:  >  >>