للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتقى الجمعان بتامرغوست [١] في آخر صفر من سنة إحدى وخمسين وسبعمائة فاختلّ مصاف السلطان وانهزم عسكره، ولحق به أبطال بني مرين فرجعوا عنه حياء وهيبة.

وكبا به فرسه يومئذ في مفرّه، فسقط إلى الأرض والفرسان تحوم حوله. واعترضهم دونه أبو دينار سليمان بن علي بن أحمد أمير الزواودة، ورديف أخيه يعقوب، كان هاجر مع السلطان من الجزائر، ولم يزل في جملته إلى يومئذ. فدافع عنه حتى ركب وسار من ورائه ردءا له. وتقبّض على حاجبه علال بن محمد، فصار في يد الأمير أبي عنان وأودعه السجن إلى أن امتن عليه بعد مهلك أبيه.

وخلص السلطان إلى جبل هنتاتة ومعه كبيرهم عبد العزيز بن محمد بن علي، فنزل عليه وأجاره واجتمع إليه الملأ من قومه هنتاتة ومن انضاف إليهم من المصامدة، وتدامروا وتعاهدوا على الدفاع عنه، وبايعوه على الموت، وجاء أبو عنان على أثره حتى احتل بمرّاكش، وأنزل عساكره على جبل هنتاتة، ورتّب المسالح لحصاره وحربه، وطال عليه ثواؤه، وطلب السلطان من ابنه الإبقاء، وبعث في حاجبه محمد بن أبي عمر فحضر عنده، وأحسن العذر عن الأمير أبي عنان والتمس له الرضى منه، فرضي عنه، وكتب له بولاية عهده. وأوعز إليه بأن يبعث له مالا وكسى، فسرّح الحاجب ابن أبي عمر بإخراجها من المودع بدار ملكهم، واعتلّ السلطان خلال ذلك، فمرّضه أولياؤه وخاصّته، وافتصد لإخراج الدم، ثم باشر الماء لفصده للطهارة، فورم وهلك لليال قريبة عفا الله عنه، لثلاث وعشرين من ربيع الثاني سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة وبعث أولياؤه الخبر إلى ابنه بمعسكره من ساحة مراكش، ورفعوه على أعواده إليه فتلقّاه حافيا حاسرا، وقبّل أعواده وبكى، واسترجع ورضي عن أوليائه وخاصّته، وأنزلهم بالمحل الّذي رضوه من دولته، ووارى أباه بمراكش إلى أن نقله إلى مقبرة سلفهم بشالة في طريقه إلى فاس وتلقى أبا دينار ابن علي بن أحمد بالقبول والكرامة، وأحلّه محل الرحب والسعة، وأسنى جائزته، وخلع عليه وحمّله. وانصرف من فاس إلى قومه يستحثّهم للقاء السلطان أبي عنان بتلمسان لما كان أجمع على الحركة إليها بعد مهلك أبيه، ورعى لعبد العزيز بن محمد أمير هنتاتة إجارته للسلطان واستماتته دونه، فعقد له على قومه وأحلّه بالمحل الرفيع من دولته ومجلسه، واستبلغ في تكريمه، والله تعالى أعلم.


[١] وفي نسخة ثانية: تامدغرست.

<<  <  ج: ص:  >  >>